هذا الكتابُ نسجٌ لنظامٍ فلسفي فذٍّ، جمع الأستاذُ خيوط غزله الفريد من التأمُّل في تفاصيل الحياة اليوميَّة، ومن تلمُّس العبرة في مكابداته الروحيَّة، ومن إطالة النظر في أحوال النفس الإنسانيَّة وتقلُّباتها، قبل أن يُثريه بما ظفر به من بطون الكتب. فهو بذلك وجودٌ مُركَّبٌ نابضٌ بالحياة، وليس نسقًا نظريًّا بارِدًا يُكرِّس الفصل المعهود بين الدَّرس الفلسفي والحياة الإنسانية؛ إذ إنه يُعيد صلة الفلسفة بالحياة، وذلك بوصفها مُعالجة حقيقيَّة لشؤونها، تبدأ رحلتها من أغوار النفس الإنسانية قبل تنزُّلها إلى الواقع.
وبسبب هذه الطبيعة المتفرِّدة لنظامه الفلسفي، ونتيجة لتعبير هذا النظام الحي -في المقام الأول- عن بيئة الفيلسوف، وهمومه، ومكابداته الخاصَّة؛ فإنه نظامٌ يلزمه قدرٌ من الصبر، وكثيرٌ من التأمُّل، وتسليمٌ بالفرادة الإنسانية؛ التي تجعل من كل إنسان فيلسوفًا حقيقيًّا، ما دام وجودُهُ الجواني مُضطَّرمًا بالحياة!
هذا الكتابَ يُعيد الاعتبار لمكابدات الإنسان، ويرسِّخ ثراء حياته الجوانيَّة؛ بوصفها المعيار الحقيقي لإنسانيته، ومُبتدأ كل تغيير برَّاني.