تهدف هذه الدّراسة إلى الكشف عن طبيعة العلاقة الجدليّة بين سلطة الخطاب وسلطة الدّولة, ودور كلّ منهما في إنتاج الآخر وترسيخ دعائم سلطته على أرض الواقع الاجتماعيّ أو التّاريخيّ في تاريخ الحضارة الإسلاميّة, ما حتّم علينا تناول تنائيّة: خطاب المجتمع ومجتمع الخطاب, ومن ثمّ, ثنائيّة: دولة المجتمع (بوصفها دولة السّياسة) ويوتوبيّة الدّولة في تاريخ الحضارة الإسلاميّة, بدءاً من عصر صدر الإسلام ونزول القرآن, وانتهاءاً بواقعنا المعاصر.
وقد تمّ تناول هذه الجدليّة بوصفها إحدى أهمّ ملامح أزمة الخطاب العربيّ في مراحله المختلفة, هذا الخطاب الذي لم يستطع حتى هذه اللّحظة- فيما يبدو- أن يصوغ وعيه بالدّولة, أو أن يقارب مفهومها وفق معطيات الواقع العربيّ في حضوره المتعيّن في لحظته الرّاهنة, بل بقي يراوح مكانه باحثاً عن أنموذج جاهز للدّولة, فيما سلف من أنموذجات, وبما يؤكّد أنّه قد بقي يصوغ وعيه بالدّولة وفق معطيات فكريّة ثقافيّة مستمدّة- في جملتها- من ثقافة الذّاكرة التي نجد مرجعها في موروثنا الثّقافيّ الحضاريّ, أو في موروث الآخر وما أنجزه من مشاريع حديثة للدّولة تنسجم مع معطيات واقعه التّاريخيّ الحيّ, في حضوره العينيّ المباشر, ما جعل خطابنا العربيّ خطابا تابعاً لذلك الخطاب المؤسّس لمفهوم الدّولة ومستلبا بشروطه.