مقدمة
لكل إنسان تجاربه في الحياة، وخواطره التي يعيش معها ومن أجلها. والشعر فيض الوجدان كما هو وحي التجربة، وصدى
الإحساس كما هو لغة الشعور والعاطفة ، ومتى استجمع القالب التعبيري تلك الخصائص من داخل النفس الإنسانية. فلا بد أن
يكون هذا التعبير بواسطة الشعر ثمرة المعاناة ومحاولة العطاء.
منذ عشر سنين جمعت عددا من قصائدي ذات الصبغة الإسلامية وأصدرتها في ديوان متواضع سميته «إسلاميات» ثم جمعت عددا آخر من الأناشيد في ديوان آخر أتبعته بقصيدة واحدة ذات مقاطع وموضوعات متعددة سميتها « ملحمة نور الإسلام ».
ولقد لقي الديوان الأول شيئا من القبول. مسايرة لواقع الشعر في
- بلادي - حيث صادف صدوره وقتا بدات فيه طلائع الشعراء المجيدين من مقلدين ومجددين. وكان هذا اللون الذي حاولت
المشاركة به مزيجا من هذا وذاك.
أما الديوان الثاني والثالث فلم يكن لهما مثلما كان لسابقهما ، وهذا دليل نضج الشعر، وسعة العطاء، وجودة الإبداع عند كثير من
الشعراء الذين لم يلزموا أنفسهم بلون معين من ألوان الشعر، وحينئذ أدركت أن الشعر فن لا يخضع لحقبة زمنية معينة، ولكنه فيض
الوجدان، وسيح الخاطر، وأنه فن لا يمكن أن يلتزم فيه ناظمه، وإنما
هو نسج الخيال ووهج العاطفة، ومتى سلمت فكرته، وبعد مأخذه
وصحت عبارته، وجاد معناه، واحكمت قافيته، وتنوعت قوالبه وفق نمط لا يخرج عن القصيدة العربية في حدودها ورسومها. فذلك هو
الشعر وذلك هو التجديد.
ولا أعني أن ما أقدمه للقراء في هذه المجموعة - التي سميتها معاناة شاعر - لا أعني بما قلته أن تلك القصائد قد استجمعت تلك الخصائص التي ذكرت، فإنما هي تجربة شعورية رافقتني منذ الصغر فشاركت بها في هذه الآونة من حياتي الشعرية. مطلقا عنانها دون تشذيب، أو تهذيب لأعطي الناقد حرية القول التي بها أزداد علما بما
أجهل، والله وحده الهادي إلى سواء السبيل.
محمد بن سعد الدبل
العبيكان للنشر
1997