يعد الحديث عن مفهوم الأمن حديثاً عن الحياة كلها، ذلك أنة مادة هذه الحياة ومصدر طمأنينتها واستقرارها، وتوازن الكائنات فيها، وإن بدا أن ثمة صراعاً وتدافعاً بينها، لأن الصراع والتدافع هما جوهر حركتها في عملية التسخير الإلهي للكون لخدمة الكائن المكرم عند الله، ألا وهو الإنسان الذي خلق ليعبد الله حق عبادته، وليستعمر الأرض فيكون خليفة لله فيها آمن بأمان الله وبكل ما للأمن من معان يأتي في مقدمتها زوال الخوف والطمأنينة وعدم الخيانة والثقة... إلخ.
ولقد تأكدت هذه المعاني جميعها في حديث القرآن الكريم والسنة النبوية بطرق وأساليب شتى منها الدعوة إلى ربط مفهوم الأمن بالواقع وبخاصة الواقع السياسي الذي يستجيب للفطرة الاجتماعية في الإنسان بحيث يتجلى فيه نظام للحكم يصوغ المعاني المتعددة للأمن في صياغة شرعية تتفق ومقام القيام على أمر المسلمين بما يصلح شأنهم في الدنيا والآخرة.
ولقد برزت في عصر النبوة والخلافة الراشدة مفاهيم الأمن بصورة واضحة جلية متمثلة في تعاملات المجتمع السياسي ووظيفة الدولة الإسلامية. وفي العصور التالية شهدت انتكاساً لمفهوم الأمن نظراً للأحداث والاضطرابات التي شهدتها تلك الفترة.
ويتناول الكتاب الصياغة الفكرية لمفهوم الأمن والركائز السياسية له وأهم مصادر تهديد الأمن في المجتمع والحفاظ على الوعي الأمني ودور الجهاد في الحفاظ على الأمن، ويخلص الباحث إلى أن مفهوم الأمن في الإسلام ليس فقط المراد به الأمن السياسي، بل هو مفهوم ذو طبيعة شاملة تحوي أبعاداً أخرى غير سياسية كأمن الفرد وأمن الجماعة وأمن الحكام والمحكومين وتحقيق المناخ الأمني اللازم لحركة المجتمع السياسي المسلم.