على مدار التاريخ الانساني الممتد مارست الدول الكبري في النظام الدولي سياسات خارجية للتدخل الخارجي في الشئون الداخلية للدول الاخري اما بحثا عن الهيمنة او الثروة ،وكانت تتم عملية التدخل اما عبر استخدام القوة الصلبة او القوة الناعمة في المجال المادي ،وكان يتم ذلك باستخدام القوة العسكرية المباشرة بالغزو او ازاحة النظم الحاكمة او بشن حروب وكاله،بينما كانت تمارس القوة الناعمة في اطار عمل الاجهزة المعنية بالشئون الخارجية او بالشئون الاستخباراتية او بالشئون الاعلامية. وبعد انتهاء الحرب الباردة وخلال العقدين الاخيرين شهد المجتمع الدولي طفرة هائلة في انتشار تكنولوجيا الاتصال والمعلومات،والتي ساهمت في تبلور ظاهرة الفضاء الالكتروني كمجال خامس جديد في العلاقات الدولية [1] ،
وأصبحت لها تأثيرات ذات ابعاد مختلقة ،وكان من ضمنها القدرة في التأثير على قوة وسيادة الدولة مع ارتفاع حالة الانكشاف الداخلي وسهولة التدخل الخارجي في شئونها الداخلية ،و التأثير على الشعب والإقليم والثروة والأفكار من قبل قوى جديدة عابرة للحدود الدولية، وكان لذلك تأثير في تغير طبيعة الاطراف "المتدخلة" ، وتنوعها ما بين فاعلين من الدول و من غير الدول. .وجاء ذلك كذلك في ظل تصاعد قدرة الداخل في التأثير في السياسة الدولية وفي ذات الوقت زيادة قدرة الخارج في التأثير في الشئون المحلية
،وهو الامر الذي شكل تحدي جدي لسيادة الدوله ليس فقط على المستوى النظري بل كذلك على المستوى التطبيقي.وهو ما طرح اشكاليات تتعلق بتأثير تلك المتغيرات على العناصر التي تتكون منها الدولة ومدى انعكاس ذلك على وظيفة الدولة وسيادتها ؟ومدى تأثير ذلك على مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية في مقابل مبدأ مسئولية الحماية؟
وما هي ملامح التوظيف الاستراتيجي للفضاء الالكتروني في التدخل في الشئون الداخلية؟ وماهية تحول الفضاء الالكتروني كأداة للسياسة الخارجية للدول الاخرى ؟ وماهية وخصائص وأنماط التدخل الخارجي عبر الفضاء الالكتروني ؟ وما هو مستقبل الحمائية مقابل التدخل في العلاقات الدولية عبر الفضاء الالكتروني؟
[1] حيث يتم تصنيف الفضاء الالكتروني كمفهوم اشمل من الانترنت ليضم كافة التطبيقات والأنشطة التي تتم عبر وسيط الموجات الكهرومغناطيسية والتي توجد في الطبيعة الا انه مجال يعبر عن قدر ما من الاختراع البشري ،ويأتي الفضاء الالكتروني بعد المجال البري والبحري والجوي والفضاء الخارجي ،وهناك قلة من الباحثين الذين يضيفون المجال البشري والمجال الحيواني لتصبح مجالات سبع بدلا من خمس في الحياة الانسانية.