هذا هو الجزء الثالث (بقسميه)من هذه السلسلة المباركة (سلسلة مواقف مثيرة)، وقد خصصته لبعض التابعين لما لهم من مكانة في قلوب المسلمين لأنهم قريبو عهد بالعهد النبوي المبارك، ولرؤيتهم للصحابة الأطهار وأخذهم عنهم ؛ولذلك كانت لنا فيهم أسوة حسنة تقتضي أن نأخذ عنهم ونتأسى بهم رضي الله عنهم .
وفي هذا الجزء تركت التعليق على المواقف ليعمل القارئ عقله، ويستنبط من الموقف أو المقولة ما يروق له دون أن أقيده بفكري وفهمي الخاص .
وسوف تطالع كثيرا من المواقف المثيرة في حياة هؤلاء الأبرار فخذ على سبيل المثال هذا الموقف من من حياة سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهما فقد ذكروا أنه نام مع امرأته خولة بنت منظور الفزاري - وقيل هند بنت سهيل - فوق إجار(مكان مرتفع) فعمدت المرأة فربطت رجله بخمارها إلى خلخالها، فلما استيقظ قال لها: ما هذا؟ فقالت: خشيت أن تقوم من وسن النوم فتسقط فأكون أشأم سخلة على العرب. فأعجبه ذلك منها، واستمر بها سبعة أيام بعد ذلك. فتعجب من ذكاء المرأة أم من حرصها أم من سماحة الحسن وتقديره لخوفها عليه.
وخذ هذا الموقف من حياة عمر بن عبد العزير رضي الله عنه فقد حجّ سليمان بن عبد الملك ومعه عمر ابن عبد العزيز فأصابهم برق ورعد، حتى كادت أن تنخلع قلوبهم، فنظر سليمان إلى عمر وهو يضحك، فقال سليمان: يا أبا حفص، هل رأيت مثل هذه الليلة قط أو سمعت بها؟ فقال: يا أمير المؤمنين، هذا صوت رحمة اللّه، فكيف لو سمعت صوت عذاب اللّه؟ فقال: هذه المائة ألف درهم، فتصدق بها. فقال: أو خير من ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: وما هو؟ قال: قوم صحبوك في مظالم لهم لم يصلوا إليك، فجلس سليمان فرد المظالم.!
فأنت تعجب من استغلال عمر للموقف وخوف سليمان بن عبد الملك وتحذيره من عذاب الله عز وجل واقتناصه الفرصة ليرد مظالم المظلومين.
وقال علي بن عاصم: دخلت على أبي حنيفة وعنده حجام يأخذ من شعره فقال للحجام: تتبع مواضع البياض، فقال الحجام: لا (تفعل)، قال: ولم؟ قال: لأنه يكثر. قال: فتتبع مواضع السواد لعله يكثر. ولما بلغت أن شريكا هذه الحكاية عن أبي حنيفة ضحك وقال: لو ترك قياسه تركه مع الحجام.
...وهكذا في غيرها من المواقف التي ستجد فيها بإذن الله الفائدة والمتعة التي ستدفعك بحول الله إلى مطالعة المزيد من سير هؤلاء العظماء لتتعلم منهم وتشاركهم حيواتهم التي عاشوها.
وقد أضفت شخصيتين ليستا من التابعين ولكنهما من أتباع التابعين أضفتهما لهم من مكانة خاصة في الفقه أو العلم وهما سفيان الأوزاعي وعبد الله بن المبارك.
والعمل الإنساني لا يخلو من النقص فإن وجدت خيرا فاحمد الله وادع لي وإن وجدت تقصيرا فأشر علي به وادع الله أن يمكنني من تداركه فهو سبحانه نعم المعين، ونسأله أن يقبله خالصا لوجهه الكريم ،وأن أراه في ميزان حسناتي يوم يقوم الناس لرب العلمين.
الفقير إلى لله
فوزي أحمد سلامة