هذا ليس كتابًا سياسيًا، ولكنه من المُمكن أن يندرج تحت باب أدب الرحلات، وأحاول هُنا تسجيل فرصة لم تُتح لكتَّاب كثيرون، ولكنها أتيحت لي لزيارة معظم مدن فلسطين وإسرائيل في الفترة بين 1994 و1995 عندما كنت أعمل مهندسًا في شركة أمريكية في ولاية نيوجيرسي، وقامت بتعييني مديرًا لمشروع إسكان في معسكر جباليا بمدينة غزَّة، وكان هذا المشروع ممولاً من هيئة المعونة الأمريكية.
بعد توقيع اتفاقية أوسلو في عام 1993 في مدينة واشنطن بحضور ياسر عرفات وإسحق رابين وبيل كلينتون وحُسني مُبارك والملك حسين، كانت هناك موجة من التفاؤل في الشرق الأوسط بأن السلام أخيرًا سوف يحل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفاز كل من ياسر عرفات وإسحق رابين وشيمون بيريز بجائزة نوبل للسلام عام 1994 تقديرًا لجهودهم، ولكن هذا التفاؤل تبخَّر بعد اغتيال إسحق رابين عام 1995 على يد مُتطرف يهودي، وتولى المتطرفون من الجانبين الحُكم فتولى بنجامين نتنياهو الحكم في إسرائيل، واستولت حماس على قطاع غزة، وتمَّ قتل كل محاولات السلام.
ولن أتطرق كثيرا للسياسة في هذا الكتاب، ولكني سوف أركز على حياة الفلسطينيين والإسرائيليين العادية واليومية كما شاهدتها على أرض الواقع، لا من خلال قناة "الجزيرة" أو الـ "سي إن إن" أو حتى قناة "بي بي سي".
الهدف من كتابي هو أن أبعث نفحة أمل في اتجاه السلام بين الشعبين الذين يجب عليهما الاقتناع باقتسام الأرض فيما بينهما، لأنه لا يوجد حل آخر، فمهما انقضى من الزمن فلن يستطيع العرب إلقاء اليهود في البحر، ولن يستطيع اليهود إلقاء العرب في الصحراء، وعليهما أن يعرفا كيف يمكن أن يتعايشا سويًا حقنًا لدماء الأبرياء ونبذ ثقافة الكراهية التي يقوما بحقنها لأطفالهم في المهد.
وقد يتساءل قارئ: لماذا انتظرت أكثر من ربع قرن لكتابة تلك المذكرات؟
والأجوبة بسيطة أنه لم يخطر ببالي قط أن أكتب تلك المذكرات، لأسباب عديدة منها:
أولاً: أني لست كاتبًا محترفًا، ولكني هويت الكتابة على كبر وأعتبر أن الكتابة بالنسبة لي أرخص من الطبيب النفسي!
وثانيًا: أنني كنت أعتقد أن هذه الذكريات غير مهمة بالنسبة لأي أحد، لماذا العناء إذا لم يطلع عليها أي قارئ،
ثالثًا: أني خشيت أن يفهم أعداء السلام بأن هذه مذكرات مدفوعة الأجر من "الكيان الصهيوني"، ومن سامي البحيري هذا والذي لم نسمع عنه من قبل؟
ألا يجوز أنه أحد عملاء الموساد؟؟ (طبعا كما يعرف معظم العرب بأن تُهمة الخيانة والعمالة والردة هي تهمة جاهزة لإخافة كل من يتجاسر على السباحة ضد التيار).
طيب هذا جميل، إذن لماذا قررتُ نشرها في هذا التوقيت بالذات؟
الحقيقة هي أنها: "قامت في دماغي" فجأة مؤخرًا بعد أن رأيت مئات الضحايا والدمار الذي يحدث كل عدة سنوات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ويمكن أن يعطي هذا الكتاب الأمل للشباب في الاقتناع بأن السلام والأمن والأمان هم الأصل، وهو هدف إنساني منذ بدء الخليقة وأن الصراع والحرب هما الاستثناء ولا يمكن أن يستمرا للأبد.
هذا الكتاب دعوة للسلام والتفاؤل ومحاولة للعيش سويًا كبشر على قدم المساواة.
وأود أن أشكر شركة جوجل لأنه بواسطة محرك البحث "جوجل" تمكنت من الحصول على معلومات تاريخية وصور كثيرة، وكذلك أشكر الأستاذ "بيار عقل" صاحب الموقع الليبرالي "شفاف الشرق الأوسط" والذي أقنعني بضرورة نشر تلك المذكرات ووافق على نشرها على حلقات في الموقع، وأتعشم بعد الانتهاء من نشر الحلقات أن أنشرها في كتاب بالعربية، وأتعشم أن يتم ترجمته للعبرية والإنجليزية والفرنسية ولغات أخرى عديدة لكي يتفاءل كل العالم بإمكانية تحقيق الحياة بسلام وبدون قتل وتفجير وانتحار. الحياة حلوة وقصيرة وتستحق أن نعيش كل ساعة فيها بسلام.
===============
إصدارات مؤسسة الأمة للنشر والتوزيع - 2023