حظي الخط منذ القدم بإجلال العرب وتقديرهم له حتى أنهم أحاطوا نشأته بأساطير، إذ نسبوه إلى بعض الملوك تارة وإلى بعض الأنبياء تارة أخرى، وبانتهاء الخطين "الحيري والأنباري" إلى مكة والمدينة عرف باسميها: الخط المكي والخط المدني. وكان الخط العربي كما يقول ابن خلدون لأول الإسلام غير بالغ إلى الغاية من الأحكام والاتقان والإجادة ولا إلى التوسط لما كان العرب من البداوة والتوحش وبعدهم عن الصنائع، وفي الصدر الإسلامي كان للخط صورتان الأولى: لينة يميل الخط فيها إلى التدوير. وكانت تستعمل في التدوين السريع. الثانية: جافة يميل الخط فيها إلى التربيع، وكانت تستعمل في كتابة القضايا المهمة التي يراعي في كتابتها التأني والرقة. وفي الكوفة، وفي عصر الإسلام الأول، عني القوم بتجديد نوع من الخط هندست أشكاله ومطت عراقاته، واستقامت وتميز، عن الخطوط الحجازية وغلب عليه الجفاف واستحق لذلك أن ينفرد باسم جديد وهو "الخط الكوفي". ومن الكوفة انتشر هذا النوع اليابس في أرجاء العالم الإسلامي تكتب به المصاحف اللطاف، وتحكى به المباني وتدفع به النقود، في حين ظل الحجازي اللين في خدمة الدواوين لمرونته وسرعة كتابته، واستخدمته العامة في أغراضهم اليومية المختلفة واستخدمه الخاصة في حركة التدوين.<p>ولا شك أن الخط العربي قد نال في الكوفة قسطاً كبيراً من التجديد، وتنوّعت فيها على الزمن أشكاله وتعددت صوره وغدت له مسحة زخرفية خاصة به، وطغت شهرة هذا النوع اليابس على غيره من الخطوط التي استخدمت في الكوفة وشاعت عنها، فاستأثر وحده باسمها حتى لكأنما تنتج الكوفة خطاً غيره. وقد يكون الخط الكوفي من الخطوط المبهمة الصعبة، وذلك لتشعب أنواعه وخاصة لدى الكثير من عشاق فن الخط العربي، ولجهلهم أساليب الكتابة الصحيحة.<p>وفي هذا الكتاب يجد العاشق لفن الكتابة العربية المجموعة الأولى من الخطوط الكوفية مع نماذج للزخرفة العربية. كما وأن هذه المجموعة يغلب عليها الآيات القرآنية أسوة بما نشأ عليه أجدادنا الأوائل من تعظيم لهذا النوع من الخط في كتابة المصاحف. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المجموعة الفذة إنما هي بادرة استمد وحيها الخطاط العبقري حسن قاسم حبش، وهي الأولى من نوعها قدّر لصاحبها أن يخوض في هذا الميدان، فكان له اجتهادات كثيرة في هذا المجال من خلال مؤلفات ومقالات كتبها في مجلات وصحف مختصة في هذا الفن العربي "الخط والزخرفة" كما أن تولى تدريس مادة الخط العربي والزخرفة في مدارس ومعاهد متعددة في العراق. أصدر سلسلة الفنون العربية الإسلامية بـ 8 أعداد سنة 1984م، كما أن له مؤلفات متعددة حول فني الخط والزخرفة.