登入選單
返回Google圖書搜尋
روح الفراشة
註釋


                       طلعت رضوان

 مع روح الفراشة يحلق

هدى يونس 



هناك نبض مشاعر لاتكتمل دورتها ، وأحلام تتبدد، ولقاءات الصدفة تعيد تاريخ مضى،

 براح لأوجه الإنسان فى حالاته المتعددة والمحيرة يتجسد حين إتخاذ قرار...

إدراك يهدهد ويهدد ويؤكد ان العتمة أصل الوجود.

 وللولوج لرؤية ما أخفاه السطح قبل حلول العتمة علينا التمعن فى قراءة الوجوه .

وطلاسم الصحراء طلاسم تجذب زائريها لكشف مجاهلها الساكنة فى الأعماق ..

هذا ما نراه ونحسه فى"روح الفراشة" للمبدع والمفكر طلعت رضوان بين سطور مجموعتة القصصية، 17 قصة صدرت ضمن سلسلة كتاب اخبار اليوم..

تتجول داخل قصص لاتكتمل، تحمل جروح سنين تنساب داخلنا لتستقر بالأعماق ولاتغادرها..

المجموعة رحلة قدرية للإنسان رغم تواجده وسط جموع البشر إلا أن وحدته تطارد نفسه التائهة.. وحلم التواصل يدفعه إلى مغامرات الدخول للمجهول.. نادراً يتحقق التواصل فى لحظات عابرة ولقاءات صدفة، وسرعان ما تعود الوحدة متعملقة مؤكدة أن رحلة الحياة لها أوجه غير مستقرة وعاجزة عن تقديم إجابات قاطعة ..

 ولفك شفرات الغموض الذى لاينفك عند المرأة التى تحتل حيزا عند المفكر والكاتب والمبدع طلعت رضوان.. احياناً يستولى عليه المفكر ويخضعه لسلطان تامله لمناقشة الواقع، واحياناً يجتاحه الإبداع ورؤى المفكر تترك ملامحها فى الإبداع ويخرج محملاً به.

 للمرأة مواقع متعددة من إبداعه باعتبارها سر من أسرار غموض الوجود!!..

                                           

***

                فى قصص "روح الفراشة" تناقش وتساؤل: هل براح الفكر مرتبط بالتعليم؟ وتأتى الإجابة بالنفى فى القصة التى تحمل عنوان المجموعة، نرى الأم الغير متعلمة تساند رغبة إبنتها فى دراسة الباليه حين يرفض الاب المتعلم الفكرة وهدد إبنته بالطرد، وبعد سنين تعود لحضن الأسرة بعد رحيل الأم ، يعترف الأب لإبته التى تحققت علميا "امك الأمية كانت أفضل منا جميعاً" حينها تمنيت الرقص على مسرح الكون لترانى كل الكائنات الحية وأيضا روح أمى!! .. ونرى رؤية المفكر للحضارة المصرية وتعاليمها ينعكس على إبداعه، حيث تمثلت عدالة ماعت لنصرة الحق والخير ..

كما نرى اثر الحضارة فى " العتمة المضيئة" نتعرف على الموسيقي الذى تعايش مع العتمة مدة ستين عاما، أصرت زوجته وأولاده على إجراء عملية ليستعيد بصره،  كان التساؤل المربك له: كيف أتخلى عن من منحتنى الإدراك  وأفق الخيال بعد فقد بصرى فى الرابعة من عمرى؟ . بعد نجاح العملية وأثناء عودته من زيارة مقبرة أوناس وشرح إيزيس إبنته تفاصيل رسوم المقبرة لاصدقائهم الفرنسين، رأى فى الطريق تلال نفايات وحيوانات نافقة فى ترعة المريوطية لحظتها تمنى عودته لعتمته .. لندرك معه مدى قسوة التشوه ورفضه . ومن الحوارات الجميلة فى القصة، حين عرضت عليه صديقته الأجنبية قبل زواجهما سألها

                 : لماذا تفضلين العيش معى فى العتمة؟  

                 : لماذا تحرمنى من العيش باقى حياتى فى النور ؟

                                                      ***

من القصص التى تظهر قوة وفراسة المرأة "قارئة الودع" التى تطرق بابا لا تدرى ما خلفه، ترى رجلاً وحيداً فى عزلة ، تطلب منه كوب ماء وكوب شاى..تقرأ ملامحه بلا ودع وإنما بغريزة الانثى الموغّلة فى القِدم، تستطلع وحدته وأسبابها مما جعله يحس الفزع والتعرى أمامها، وسألها: هل لا تخافى دخول بيت غريب؟.

 تجيب هادئة بسؤال :وأنت ليه مخفتش وأنت بتدخل واحدة غريبة بيتك؟. لم يجد إجابة غير إعتزازه بإيزيس التى تعلو على الغرائز ويكون الجانب الإنسانى محركها..


فى " رحلة إلى الواحات" كانت الرحلة لأستاذ الفلسفة هى سعى إلى الإكتمال، ولإشباع فضول قراءة الوجوه عنده .. يتم لقاء الصدفة بسيدة ساعدها على حمل حقائبها، إنتظر قدومها كى تحجز، حيره فضوله لماذا لم تأتى وتقف على شباك التذاكر وظلت تنتظر.. حين إنتهى من حجز تذكرته جلس جوارها دون حوار،  أحس تغلغل روحها فى روحه!! وحين سألها لماذا لم تحجز ، حكت عن صديقها الذى وعدها ولم يأتِ ويفِ بوعده، طلب منها الإتصال به، وجاءت الإجابة محيرة: لا أعرف تليفونه أو عنوانه، تلاقينا صدفة بعد فراق عشرين عاماً، قضينا معاً أسبوعين وكان الوعد باللقاء هنا للسفر لبيته فى الواحات لنبدأ حياة جديدة، ولم يأتِ..

وبكت تأثراً " من لا يحترم الموعد لا يستحق الزعل" وعارضت نفسها " لاتعرف ماحدث له ربما حادث وربما وربما..".. وإحتار أستاذ الفلسفة فى تفسير بكائها، هل بكت تأثراً بكذبتى حين قلت أننى أنتظر صديقتى ولم تأتِ أم تبكى حالها.. هذا التشابك فى المشاعر الإنسانية أعجزت الفلسفة عن توصيفها، وحمل حقيبتها وتركا المحطة..!!

ترددت الواحات فى أكثر من قصة وإن كنت ارى أنه إ ختيار للتطهر فى الصحــــراء مثل قصة" السفر الأخير" حيث البطلة تسير فى الممر الطويل السرابى كى تصل لحجز تذكرة لرؤية شقيقها ربما هناك تتخلص من الوحدة والحيرة،  ويولم يتركها خيالها كى تتمتع وأفسد حلمها: هل أخيها وزوجته يحققان ماتحلم به أم العكس؟ ..

فى حين لقاء الصدفة بالجالس فى كرسى الأتوبيس جوارها ورغم إعتراضه على ميل رأسها فى غفوة نومها على كتفه، نرى أيضاً حيرته وتغير مشاعره نحوها : هل أنبهها لتستعيد توازنها أم أسعى لإكمال إحتوائها ويتركنا النص للتأويلات..

                                             ***

من أجمل الإنسانيات قصة "كوب عناب" حيث إرتباط عويل الرياح خارج جدران القهوة بحزن الإنسانة التى إعتادت إنتظار صديقها فيها، يشربان عناب بارد وساخن ويتركان المكان ويتجه كل منهما فى طريق، وبعد رحيله تأتى كما إعتادت وتغادر المكان كما لو كان طيفه يرافقها..حين إنتحبت شاركتها الرياح نحيبها!!..

وجاء يوم  فى انتظارها المعتاد غادرت الروح الجسد .. ولم يجد رواد المقهى فى حقيبتها غير صورها مع الصديق فى مراحل مختلفة.. مؤكداً مقولة أن أعمق حالات الحب فى المراحل العمرية المتأخرة للحــــــــياة !!.


ومازال العزف الإنسانى فى " توائم الروح" تصور القصة الليلة الأخيرة قبل سفر الزوجة للعلاج وحدها بالخارج لعدم القدرة على تدبير تكاليف سفر الزوج معها .. تفاصيل مشحونة بمخاوف، وحالة هرب من إحساس يطارده بأنه لقاء أخير للوداع.. "حلقت أرواحنا فى فضاء الغيب !! حين حلقت الطائرة فى السماء ومعها توأم روحى..

                                             ***

 رؤية رضوان للمرأة الحانية التى تتبع رومانسيتها، يراها أيضا مراوغة خليلة الشيطان، وقرينة وساوسه فى " مكالمة منتصف الليل "

 حين تتصل الشاعرة بالكاتب فى منتصف الليل لتعبر له عن إعجابها ببطلة مسلسله التى تشبهها، ويراها المؤلف أنها تطمع فى هدية!! أو للكتابة عن أشعارها.. وحين تخيب توقعاته ويصدم برد فعلها ورفض عروضه، يتجاوب أكثر إنسانياً مع قلبها وحكاوى وحدتها.. وحين قالت:  "جعــــانة" تبدل حاله واحس إثارة وشهوة محل التعاطف!!

هذا التقلب المربك تعاظم حين استضافتهُ فى بيتها، وراودته عن نفسه، و بعد دخوله حمامها الفخم ورؤية القذارة فى أرجائه إنقلبت شهوته نقمة عليها، وأنها لا تشبه بطلة مسلسله التى ظاهرها هو باطنها، وشتان بين وحدتها وشهوتها التى يراها وأحسها..

ولان الحمام مرآة للبيت وأصحابه يقول" خرجت وتذكرت جوعى، وملابسها الداخلية القذرة بالحمام ، وهاجمت أمعائى الرائحة الكريهة وتقيأت" ..

وإن كنت أرى أن صراخه فى وجهها غير مبرر، وإتهامها بأنها مسخ لظل بطلته!!..

بينما النفس الإنسانية غالباً غير مستقرة أو ثابتة وتقلبها هو السمة الدائمة..

تحية تقدير لتلك الرحلة الإنسانية والفكرية الرائعة لروح الفراشة المتنوعة، وعوالم المفكر والكاتب والمبدع طلعت رضوان.


                                                                          هدى يونس