فكرت مراراً في هذا السؤال، هل يمكن وضع تفسير مادي تاريخي للقرآن الكريم؟ لكنني عدت وفكرت في أصل ودورة حياة المادة في التاريخ منذ خلقها الأول بأمر الله، وتأملت حركة المادة ودورتها في الكون والطبيعة، وكذلك دلالة معانيها وسياقها التاريخي في القرآن، ولكن إذا قلنا سياق تاريخي، فإننا بذلك نتوقع زمناً محدداً لخلق المادة، وخلق المادة ليس له زمن بالمعنى الآدمي الدنيوي لأن تحديد زمن خلق المادة يعني الاشتراك مع الخالق في تحديد زمن خلقها، وبالتالي تحديد زمن خلق الكون بشكل دقيق، علماً بأن زمن خلق المادة بأمر الله لا يشترك في معرفته أحد إلا الله. كما أنني فطنت بعد طول نظر وقراءة في كتب علوم المادة والطبيعة، وبالتحديد نظرية عالم الأحياء الطبيعي والجيولوجي البريطاني تشارلز داروين وما بُني على إثرها، وما لاقته من قبول عند عالم الأحياء الإنجليزي توماس هكلسي وغيره، فطنت أنه لا يمكن تفسير القرآن تفسيراً مادياً، لأنَّ المادة جزء من موضوعه وليس كل موضوعه، والطبيعة أيضاً جزء من موضوعه وليس كل موضوعه، لكن موضوع المادة والطبيعة (ويشكلان الكون معاً) موضوعان مركزيان ومتأصلان في الحياة، ويتلاحق معهما خلق آدم (عليه السلام) باعتباره أول الخلق الإلهي، وكذلك عيسى (عليه السلام) باعتباره آخر الخلق الإلهي. ومع ذلك وجدت إمكانية التأسيس لمقدمة نظرية عن الفلسفة المادية في قراءة نص القرآن، ولأن القرآن أسبق من المادة باعتبار أنه كلمة الله المنزلة عبر الوحي، والوحي أسبق من المادة، ومادة خلق الوحي أسبق منه، ولأن خالق المادة هو الله، ولأن كلمة الله أسبق وأقدم من المادة وخلق الكون والقرآن والوحي، فيكون أصل خلق المادة لغة أمر وكلمة الله العليا هي أمر.