ليس من قبيل المصادفة أن تصبح السياسة الدولية حقلا لتطبيق النظريات السياسية، وأن تكون ميدانا لتقبل كل ما هو جديد من المفاهيم والمصطلحات تبعاً للتطور والمستجدات المتغيرة في عالم تتسارع فيه الاحداث والتفاعلات الدولية، وفي سياق استعارة ادبيات حقل العلاقات الدولية، نسعى لدراسة وتفسير نظريات العلاقات الدولية وخاصة النظرية الواقعية التي تعدُّ من اكثر النظريات التي طبقت بشكل عملي وواسع على الصعيد السياسي في عالمنا المعاصر، ومن مسلمات هذه النظرية هي اعتمادها على القوة والفوضى، وتحقيق المصلحة الذاتية كنهج في العلاقات الدولية.
ولقد استطاعت النظرية الواقعية السياسية أن تطور تحليل السياسة الخارجية، وذلك من خلال أرضيتها الراسخة على مرّ عقود من الممارسات عن طريق تبسيط وتفسير الوضع الدولي عن طريق المدرسة الفكرية السياسية التي تقدّم نفسها كجسم من النظريات والحجج المترابطة لتفسير السياسة الجماعية والانانية ومرِّكزية القوة، لتعدُّ بذلك المصدر الأساس لكل النظريات التي انبثقت عنها ومن اشكالها الواقعية الكلاسيكية والجديدة.
وتشكل اسرائيل نموذجاً بارزاً للواقعية السياسية في منطقة الشرق الاوسط، فقد تطورت بشكل تدريجي من حركة صهيونية محتلة إلى دولة معترف بها من قبل اغلب دول العالم، كما باتت اسرائيل اليوم تتمتع بقدرات التفوق النوعي والعلمي والتكنلوجي على المستوى الاقليمي، مما أتاح لها التمتع بسياسة مكانية معترف بها دوليا، وكون إسرائيل تعيش في منطقة معادية إلاّ ان تطوير قدراتها العسكرية والأمنية مكّنها من إعادة التوازنات الجيوستراتيجية لصالحها، إذ إنَّ جلَّ التغيرات الحاصلة اليوم في سياسة اسرائيل الخارجية، وكذلك العوامل الاقليمية المؤثرة في المنطقة تدفع بنا لمحاولة التعرف على العوامل التي مكنت اسرائيل في تعزيز وتحقيق مكاسب كانت تبدو قبل عقد من الان مجرد أوهام وتخيلات لاوجود لها في الواقع، الامرِّ الذي يمكن أن يكون نقطة تحول مستقبلية للتنافس العالمي والتفوق النوعي في البحث والتطوير في سبيل التوسع الاقليمي وتحقيق الانفتاح العربي.