«إني لَأذكر ما اعتراني من إحساسٍ عجيب إذ كنتُ إلى جانبه. لقد كنتُ بإزائه غليظَ القلب يا أشكراتس؛ لأني لم أكَد أصدِّق أني إنما أشهَد صديقًا يَلفِظ الروح، إن كلماته وقَسَماته ساعةَ الموت كانت من النُّبل والجَلَد بحيث بدا في ناظِرَي كأنه رافلٌ في نعيم، فأيقنتُ أنه لا بد أن يكون بارتحاله إلى العالَم الآخَر مُلبِّيًا لدعوةٍ من ربه.»
امتلك «سقراط» أسلوبًا فريدًا في إثبات الحقائق التي يؤمن بها، مُعتمِدًا على المُحاوَرة وكثرة الأسئلة حتى يَقتنع مُحاوِرُه بصحةِ رأيه، وفي المُحاوَرات الأربع الواردة بالكتاب — التي يَعرضها لنا تلميذُه «أفلاطون» — لمحاتٌ من تاريخ «سقراط» وفلسفته؛ ففي المُحاوَرة الأولى «أوطيفرون» يحاول «سقراط» أن يُقنِع مُحاوِريه بأن البحث والتجرِبة يمكنهما أن يُشكِّلا وعيًا جديدًا، فيجب ألا نُؤمِن بكل ما ورثناه من أفكارٍ ومُعتقَدات. وفي مُحاوَرته «الدفاع» يَتمسَّك «سقراط» برسالته التي يؤمن بها، وهي البحث عن الحقيقة. أما المُحاوَرة الثالثة «أقريطون»، فيُؤكِّد فيها «سقراط» على قِيمة التمسُّك بالحياة الطيبة حينما يرفض أن يهرب من الموت الذي ينتظره. وتأتي مُحاوَرته الأخيرة «فيدون»، فيَسكُب «سقراط» عِلمه على تلميذه في حواره الأخير معه قبل موته بساعات. ستظل مُحاوَرات «أفلاطون» أحدَ أهم المصادر الفلسفية، ليس فقط للفلسفة اليونانية القديمة، بل للفلسفة بصفةٍ عامة.