登入選單
返回Google圖書搜尋
أخبار الحملة الصليبية الرابعة (احتــــلال القسطنطينيــة)
註釋

أخبار الحملة الصليبية الرابعة، لطالما غمط المؤرخون العرب حقها، أو تجاهلوها، وانصب جل اهتمامهم على الحملات الصليبية الأخرى، وقد نلتمس لهم العذر في هذا التجاهل باعتبار أن هذه الحملة لم تصل أراضيهم ولم يتعاملوا معها، ولم يكن لها نتائج مباشرة على الحرب الصليبية في بلادهم، لكن ذلك لا يعني أن هذه الحملة رغم نتائجها المتواضعة على المشرق الإسلامي كانت عديمة الأثر ومحدودة النتائج إجمالا، هذه الحملة التي داست كرامة دولة شامخة وحطت من كبرياء أباطرتها ينبغي اعتبارها أول مسمار فاعل دُق في نعش الإمبراطورية البيزنطية، وأيضا هذه الحملة التي احتلت القسطنطينية وشردت إمبراطورها وعيّنت بدلا منه إمبراطورا لاتينيا أثبتت للجميع وفتحت عيونهم على صورة حقيقية للدولة البيزنطية بعد انقشاع الألوان والأصباغ التي طلت بها وجهها على مدى قرون أخفت معالمه الكهلة فكانت تبدو للعيان دولة فتية وقوية .

      وأول هذه الحقائق أن الدولة البيزنطية دولة هشة، على الأقل منذ القرن الحادي عشر، وأنها كانت تعيش على ذكريات أمجاد أباطرتها، بدليل أن شراذم ملفقة تعوزهم الخبرة بالقتال وقلة حظهم من العلوم والمعارف أطبقوا عليها من كل جانب، واحتلوها من دون مقاومة تذكر، فأين هذه المنعة والقوة التي أبدتها حيال الأمويين والعباسيين وحتى فرنجة الغرب في قرون مضت، وحقيقة أخرى أن الدولة البيزنطية خاضت غمار حروب كثيرة في أماكن شتى وعلى حدودها، وصمدت حتى خلقت وهما في أذهان الأمم المجاورة والخصوم أنها دولة لا تقهر، وأنها مهما تكالب عليها الأعداء فهي قادرة على صدهم ومنعهم، وأن القسطنطينية درة مصونة يستحيل التفكير في احتلالها، لكن قدوم هؤلاء قد بدد الوهم، ومحا تلك الصورة الزاهية التي ألهبت خيال المؤرخين والشعراء، فإذا بها تنهار وتسقط لدى أول اختبار حقيقي .

    والكتاب عمل لأحد المشاركين في الحملة وأحد العناصر الفاعلة فيها، يتعامل مع الحملة كما لو أنها حق مشروع للفرنجة، ويستخف بالبيزنطيين فيصمهم بأقذع التهم والرذائل ويشتمهم لخيانتهم المشروع المقدس الذين هم في صدده، فيما يتغاضى عن الجرائم والفظائع التي ارتكبها المشاركون في الحملة والذين تجشموا المشاق وتكبدوا المتاعب والصعاب لتخليص القبر المقدس ونجدة إخوانهم من أذى الكفرة والبرابرة على حد قوله، ويغرق الكاتب في الغيبيات ويتحول بين الفينة والأخرى إلى مسيحي تقي ورع، يلهج بالدعاء وتهتز مشاعره وأحاسيسه لكل موقف وحدث، وينفث زفرات حارة كلما أحس بضعف الهمة وفتور حماس بعض المشاركين متوسلا ومستجديا ألا يتخلوا عن مشروعهم وألا يتخاذلوا أمام أطماع دنيوية عابرة، ومن جانب آخر لم يكن فيللاردوان يعتريه أي شك في انحياز الرب للمشروع الصليبي ومباركته له، فكم من مرة تدخلت العناية الربانية لتسبغ الحماية والرعاية، وحتى حين تدور الدائرة على الصليبيين لا يرى فيها سوى درس وعظة ربانية لأن المعجزة سرعان ماتحل وتعود حماية الله ورعايته .

    وقد جاء الكتاب في صورة أشبه بالتقرير، سجل فيه الكاتب تفاصيل الحدث لحظة بلحظة، بل حرص في بعض الأحيان أن يدون دقائق لا علاقة لها بسير الأحداث ولا تضيف معرفة ذي بال، فعرض لأسماء وشخصيات كانت ذات دور ثانوي في هذه الحملة، وعرج على قضايا غيبية واجتماعية لعله قصد من ذلك أن يدلل على صدق أخباره وسعة اطلاعه وفوق هذا مكانته بين أقرانه.

  وربما كان من المآخذ على الكتاب سواء في أصله اللاتيني أواليوناني أو ترجمته الإنجليزية أنه خلو من أية عناوين جانبية، الأمر الذي يحمّل القارئ جهدا في الوصول إلى المعلومة، لذا اجتهدت ووضعت عناوين ليست في الأصول إتماما للفائدة وتيسيرا على القراء والدارسين.

     وقد خرج الكتاب في ترجمته الإنجليزية في عدة طبعات، وربما تعد الطبعة التي اعتمدنا عليها في الترجمه التي نشرت سنة 1829م. هي أقدمها، وقد أعدها مؤرخ وكاتب انجليزي، عاش في أوخر القرن الثامن حتى منتصف القرن التاسع عشر، وهو توماس سميث Tomas Smith، معتمدا فيها على طبعة دو كانجي التي صدرت في باريس سنة 1657 م.

  وقد أتحف مترجم النسخة الإنجليزية الكتاب بمجموعة من الهوامش ثبتها في مكانها، وهي لا شك مفيدة للباحث، كما وجدت في متن الكتاب بعض الأسماء والأعلام تحتاج إلى توضيح، وربما تغاضى عنها المترجم لثقته في أنها لا تحتاج للشرح بالنسبة القارئ المتخصص والقارئ الأوربي عموما، فقمت بهذا الإيضاح اعتمادا على بعض المصادر والمراجع، حتى وإن بدت صغيرة في بعض الأحيان إلا أنها تفتح مغاليق الموضوع لمن أراد الاستزادة.