إن محور الدائرة في فلسفة نيتشه إنما هي إيجاد إنسان يتفوق على الإنسانية، لذلك نراه يهزأ بكل من عدّه التاريخ عظيماً بين الناس قائلاً أن الجيل الذي يلد العظماء لم يولد بعد وأن الأرجل في هذا الزمان يمكنه أن يتفوق على ذاته، وكل ما بوسع الناس أن يفعلوه في سبيل المثل الأعلى هو أن يتشوقوا إليه ليخرج من سلالتهم في مستقبل الأزمان.
وسوف يرى القارئ في الفصول الأخيرة ما هو تقدير زرادشت للرجال الرافدين في هذه الحقبة الشاملة لعصره ولعصرنا، فهو يعتبرهم نماذج فاشلة للإنسان الذي يتوقع نشوءه، غير أن زرادشت وهو يتكلم بلهجة الآمر الناهي ويرسم للحياة طرقها بخطوط متفرقة إن لم يجمعها القارئ بقيت حروفاً منتثرة لا معنى لها لا.
يقول للقارئ بصراحة ما يجب أن يفعله ليصبح جداً لأحفاد تصلح بهم الحياة، ولكن من يعوّد بصيرته على مجاراة نيتشه في الرؤى التي يهيم فيها يستوقفه قوله: "إن ما فطرنا عليه هو أن نخلق كائناً يتفوق علينا، تلك هي غريزة الحركة والعمل".