الكاتب و الكتاب
السفير نجم الدين عبد الله حمودي، لأنه اختبر بحار الدبلوماسية وخاض غمارها، واستعان بالذاكرة وبالمذكرات، بالأوراق والوثائق، بالتقارير والبحوث والدراسات، بأسفاره ومحادثاته، وصلته الحميمة بصناع القرار، ليشكل ذاكرة ثانية توثق وتشير، تسبر الماضي وعبره وتضيء الغد وآفاقه. ولأنه جواب أصقاع دبلوماسية، في أكثر البلدان سخونة واحتداماًً، كانت ولا تزال، صقل ذاكرته بما سمع و رأى وعاش وعايش، من بغداد الدراسة والنشأة والتكوين، إلى لبنان الدراسة والثقافة و الحراك، ومن كابل الملكية حتى موسكو الشيوعية وما بعدها، ومن قاهرة عبد الناصر حتى لندن الاحتلال والانتداب والانسحاب، ثم عوداً إلى بغداد الملكية فالجمهورية وخروجاً منها، فتكدست خبراته قبل أن يبدأ رحلته الأهم باكراً إلى أبوظبي، نهاية الستينات من القرن الماضي، وهو في ألق نشاطه الأربعيني ونضج خبرته الثقافية والدبلوماسية وعقلانية رؤاه وتحليلاته...
à وباكراً أيضا ًقبل أن تتأسس دولة الاتحاد، كان قريباً من رجالاتها الكبار، بل أسهم في تكوينها، بعرقه وجهده و حبه وتفانيه، فصار من رعيلها الأول الذي هيأ وعاون وانتدب فأنصت والتقى وناقش، وحاور ودبر، وأعد ومهد، فكان حريصاً على أمانة الواجب، دقيقاً ومتفانياً، منذ بدايات التصالح بين الإمارات الساحلية العربية، حتى صار لاتحادها هيبة الكيان و الحضور والإعلان، والمكانة التي تسر الصديق وتنعش الآمال، في أيام العرب والخليج، اتحاد النور وسط عتمة زمن الفرقة والتجزئة.
بالجهد والأمانة وضع السفير نجم الدين عبد الله حمودي، ذلك كله وما قدمه مع الرعيل الرائد في مسيرة هذا الكفاح لصالح وحدة الإمارات السبع وتآخيها و سفينها الذي قاده بحكمة الربان الواعي ونزاهة الأب الراعي وكرم الأخ الكبير و بصر القائد الثاقب صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
هذا الكتاب حصيلة أحوال تلك السنين، أيامها ولياليها، رجالها ومصاعبها، الذكريات والوثائق، المفاوضات والمناورات، الأخطار والجوار، والضغوط و التحديات، قبل انسحاب القوات البريطانية من الخليج وبعدها.
هذا الكتاب يضيء ذلك العمر المُعَّنى و تلك السنوات البهية برغم حساسيتها و ما اكتنفها، وهو تجربة خصبة ومسعى جهيد ومثابر ونبيل، خطه قلم شاهد من عصرنا، كان أول رئيس لدائرة شؤون الاتحاد في الديوان الأميري و السفير في أول وزارة خارجية لهذا الاتحاد التـليد.