كان لابد أن أتأمل تفاصيل المأساة كثيرًا، وأعب من ذرات الريبة حتى أملأ صدري، وأقف بعيدًا خارج إطار الصراع، وأنسى تمامًا الدين والأخلاق، لأعرف كيف يدبر الشيطان أموره، كيف تصاغ الخطط الخبيثة، كيف تخلط أوراق الدين بالسياسة، ويمزج ما هو ظني مع اليقين، الفعل ونية الفاعل، الضرورات والمحظورات، دفع الضرر وجلب المصلحة، ما هو الضرر؟ وما هي المصلحة؟ كيف يصبح الدين هراوة في أيدي الجلادين؟ حتى يفقد الناس قدرتهم علي التميز بين العدو والصديق، الحقيقة والكذب، الخطأ والصواب، تترنح الثوابت وتتهاوى تباعًا، تنطفئ كل شموع الإيمان بالعقل وبالأحاسيس، فينساق الناس طواعية للقيد، ويتشبثون بعدل ضرير يمنحهم الجهل بالتساوي، فيتنفسون الصعداء ويحمدون الله كثيرًا كثيرًا على نعمة الدفء والأمان في رحاب القطيع..