حظي" المصطلح " في العصر الحديث باهتمامات كثيرة وبجهود كبيرة ، تتجاوز كل ما كان من ذلك في العصور السابقة ، ومرجع ذلك إلى ما جد لدى الإنسان من حاجة إلى التعبير عن مبتكراته ومستجداته الحضارية ، في المنجزات الضخمة التي تمخض عنها الانفجار المعرفي على هذا الكوكب . وكانت هذه الاهتمامات جديرة أن تؤسس تقاليد ، وترسي قواعد ومعايير من شأنها أن تقود إلى جديد في مجال الترجمة والتعريب . إن تعريب المصطلحات العلمية لعله الأمر الوحيد ، الذي يجب أن يحظى بعناية خاصة ، وذلك بتحديد العبارات أو الكلمات التي تعبر عن المفهوم العلمي ، لكل مصطلح علمي جديد بألفاظ ، يمكن كتابتها ونطقها باللغة العربية .
والملاحظ بداءة أن المصطلح النقدي ، يعيش في المرحلة الراهنة حالة من الاضطراب والتشويش، والخلط الذي يغلف إطاره، ويؤطر فضاءه . فنحن لا نزال نستخدم مصطلحات نقدية لم تستقر ، ولم نزل نختلف فيها ، ونبحث عن المفهوم الواضح المحدد الدقيق لها . حقيقة أننا نعيش أزمة مصطلح ، وخاصة بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة . وهذا يزيد من حجم المسئولية الملقاة على عاتق الترجمة والقائمين عليها ، وبخاصة ( الترجمة المصطلحية ) . فالترجمة هجرة وانتقال ، يهاجر النص أو المصطلح المترجم من وطنه ، الذي هو لغته الأصلية إلى وطن آخر ، هو اللغة التي نقل إليها . وهذه الهجرة تغيره ، ويأخذ في وطنه هوية جديدة أخرى .
إن الملاحظة الشاملة للتبادلات ذات الصلة بالترجمة وبالأنساق الوسيطية وتقلباتها ، من شأنها أن تجعل ذات يوم من وصف " الأحوال " الأدبية شيئا مماثلا ، لوصف أحوال الاقتصاد العالمي . ومن شأنها أكثر من ذلك ، أن تعطي فكرة بنيوية عن الاستراتيجيات الأدبية على المستوى العالمي ، وذلك بواسطة تحليل التفاعلات بين الوحدات العالمية والقومية وغيرها : ففكرة أدب عالمي من هذا النوع ، لا يمكنها أن تترك كل من يزعم دراسة الظواهر الأدبية في وضعية اللامبالاة . وحسبنا من هذا العرض أن ندرك مبلغ أهمية الدور الحيوي الذي يناط بالمترجم في مطلع الألفية الثالثة ، وهي حبلى بالإنجازات الحضارية والمفاجآت العلمية والانفجارات لمعرفية المدهشة . وهو كما يلوح لا يخلو من حرص على الإيماء إلى ضخامة مسئولية المترجم المقارني ، ومدى تعاظم مهمة إعداده وتأهيله ، من أجل أداء رسالته الخالدة خدمة للإنسانية جمعاء .
وحول إشكالية التأويل في الخطاب النقدي العربي ، يكشف أن الاختلاف في استعمال المقابل العربي المناسب والدقيق للمصطلح الغربي ، مازال سائدا مما يبرر أن أمر استقرار المفهوم في الأذهان ، لا يزال أيضا في مرحلة التمثل والتشكل . فلعل حضور إشكالية التأويل في الثقافة العربية بخصوصية إطارها المعرفي والفكري والتأريخي من جهة ، وحداثة الاهتمام في الدراسات العربية المعاصرة بنظرية التاويل بكل ، ما تحمله من مظاهر التعقيد والتشعب من جهة ثانية ، أسهم وبشكل كبير في تحديد المعالم الراهنة للوضع الاصطلاحي للمتصور الغربي ، وهي معالم قائمة على المنازعة أو المراوحة بين المرحلتين الأوليتين من مراحل التجريد الاصطلاحي . فأغلب الدراسات النقدية والفكرية ، تراوح في استعمالها بين صيغة الدخيل أو المعرب ، من خلال استعمال مصطلح الهيرمنوطيقا حسب النطق الإنجليزي ، أو مصطلح الهرمنوطيقا حسب النطق الفرنسي .
ومن هنا تعددت التعريفات أو المصطلحات ، وتوزعت بين نظرية التأويل وفن التأويل وعلم التأويل وفلسفة التاويل ، وهناك مصطلح آخر راج تداوله واستعماله في بعض الدراسات العربية أيضا ، ووجد فيه أصحابه من دلالة التأصيل والفصاحة ما لا يوجد في تلك الصيغ الهجينة والثقيلة من الدخيل . وهذا المصطلح هو التأويلية ، وهو مصطلح ينازع في درجة استعمال كثافة الحضور مصطلح الهرمنوطيقيا ، بل إنهما يستعملان في كثير من الدراسات جنبا إلى جنب ، على سبيل الترادف والاستبدال أحيانا مع ما يوجد بينهما على صعيد العبارة من تنافر بين ما هو أصيل وما هو دخيل .
ليس القرآن الكريم للعرب دون الناس ، بل للناس كافة . فإذا لم تجر محاولة لترجمته إلى لغات أخرى ، فسيظل القرآن كتابا مغلقا للأمم الأخرى ، مفتوحا للعرب فقط . لذلك ، فإنا أيقنا أن القرآن هدى للناس ، وبابا مشرعا على حوار الأديان ، فإن ترجمته شريطة أن تكون أقرب ما يكون النص العربي ، ليس خروجا على النص الأصلي . فلئن كان يتعين على قارئ القرآن أن يعرف اللغة العربية ، فلا مندوحة أيضا من إبلاغ الرسالة القرآنية إلى غير الملمين بالعربية . من هنا جاءت ضرورة الترجمة . ولم تزل هذه الضرورة قائمة ، فالذين يلمون بالعربية إلماما يؤهلهم لقراءة القرآن في نصه المنزل ، لا يزيد عددهم عن خمسة في المائة من سكان العالم .
نحن إذن أمام خيارين ، إما أن نتوقف كلية عن ترجمة القرآن ، منتظرين أن يأتي اليوم الذي تعم فيه اللغة العربية العالم ، وإما أن نبذل قصارى ما في طاقتنا لنقل الرسالة القرآنية إلى اللغات الأخرى . وبدهي أن الخيار الأول غير مقبول ، وأن العمل في ترجمة القرآن ، مهما كانت صعوبته ينبغي أن يكثف ، حتى نروي الظمأ الروحي لجمهور غفير من سكان العالم ، الذي يضم المسلمين وغير المسلمين . وقد ترجمت التوراة والأناجيل إلى 1800 لغة ، كي يقرأها المهتمون بالدين والأمور الروحية ، وليس هناك ما يمنع من ترجمة القرآن إلى مثل هذا العدد من اللغات .
ويذكر منظرو الترجمة في ضبط أطر ترجمة الكتب المقدسة ، من مثل الاختلافات بين الثقافات حسب الأديان . ويرى الباحثون أن هذا هو الإطار الأكثر تعقيدا في الترجمة ، ويقصدون بذلك ترجمة الكتب المقدسة . فهناك مصطلحات مثل ( قداسة ومقدس ) ، التي ترتبط بثقافات كثيرة ، ولها معان إضافية . الأمر الذي يضع عقبات وصعوبات أمام ترجمة عبارة ( الروح القدس ) . لا يخفى علينا أن مترجمي الكتب المقدسة ، كانوا من رواد وأنصار هذه العلاقة الحميمية بين الثقافة والترجمة ، وترجمة الكتب المقدسة ( توراة ، إنجيل ، قرآن ) . كما أن الكثير من الباحثين نادوا خلال الأعوام الأخيرة بأن الترجمة ، هي ظاهرة من ظواهر الاتصال بين الثقافات ، وظاهرة حوار بين الثقافات والأديان . فالترجمة حدث بين ثقافات ، والترجمة معادلة ثقافية ، والمترجم هو وسيط بين الثقافات ، بالإضافة إلى أهمية البعد ( السيوطيقي ) ، والتأويلي في ترجمة نصوص الكتب المقدسة . أبرز كل الباحثين ، أن الترجمة نشاط اتصالي ، يتم بين ثقافات وأديان مختلفة . ولذلك يجب على المترجم ، أن يكون على معرفة جيدة بالثقافتين وبعلم الأديان المقارن ، وبالكتب المقدسة ، حتى يتمكن من حل المشكلات المتعلقة بالعناصر الثقافية ، التي تتجلى في النص بشكل مباشر أو غير مباشر .
تعددت ترجمات الكتاب المقدس التوراة ( العهد القديم ) ؛ وعلى أية حال تبقى الترجمة السبعينية أقدم نص ، بل أفضل من بعض مخطوطات التوراة حتى العبرية منها ، بحسب رأي المهتمين بالنصوص العتيقة . لذلك اعتمدتها كمصدر بعض الترجمات الشرقية القديمة للعهد العتيق ، الترجمة الحبشية ، بعض الترجمات المصرية ؛ خاصة بعض لهجاتها ( اللهجة القبطية مثلا ) ، بعض الترجمات العربية والسريانية .
وإذا كان بعض نقاد الترجمة السبعينية ، أنزلوها منزلة الوحي المسلم به . فقد عدها البعض الآخر عملا يثير الكثير من الجدل ، فهو نص كباقي النصوص الأخرى ، يحتاج إلى مراجعة بعد ، أن تعرض لتغيرات وتشوهات ؛ على مستوى المضمون والشكل ، بفعل تداوله وإعادة نقله لمرات عديدة .
ومنذ القرن الثامن الميلادي إلى أواخر القرن التاسع عشر ، أخذت تتعدد ترجمة التوراة والإنجيل في اللغة الإنجليزية . ولا تزال الترجمة الرسمية – أو ترجمة الملك جيمس الأول – تعد عملا من الأعمال المجيدة العظيمة في الأدب الإنجليزي . وكانت ولا تزال نموذجا عاليا للنثر الفني الرفيع في تلك اللغة ، كما تعد آية في البيان .
أما في الترجمة العربية للعهد القديم ، فقد ترجم ( سميث – فان ديك ) سفر أيوب إلى اللغة العربية ، نقلا عن نسخة ( الملك جيمس ) الإنجليزية . ويلاحظ أن موقف المترجم فان ديك من الطبيعة الأدبية للكتاب المقدس ؛ ذو تأثير كبير في اللغة التي يستخدمها . فقد أعطى أهمية للغة المستخدمة في الترجمة . فيحرص على الإفادة من جماليات اللغة المستهدفة في نقل جمال لغة الأصل .
إن القيام بعمل مثل ترجمة الكتاب المقدس يملي على صاحبه أو أصحابه ، معرفة عميقة باللغات القديمة ، التي كتبت فيها بعض الكتب ، مثل العبرية والعربية والآرامية واليونانية ، إلى العربية التي ينبغي أن تنقل الكتب إليها ، واللاتينية التي كتب بعض أوائل آباء الكنيسة فيها ما لا غنى عنه في الترجمة والشرح . وهذا كله ينبغي التوفر على دراستها سنوات طويلة ، والجمع بينها في علم عالم واحد ، أو في علم علماء يجمع واحدهم العلم بهذه اللغات وبآدابها جميعا .
وفي حوال منتصف القرن الرابع للميلاد ، اعتبر المسيحيون أنفسهم أتباعا لدين متميز ( المسيحية ) عن اليهودية ، واستبقى هؤلاء الكتب المقدسة العبرانية ، ولكنهم سموها بالعهد القديم ، ثم أضافوا إليها الكتب ( الأناجيل ) ، وهي الدستور المقدس الجديد ، وسموها ( العهد الجديد ) . تكون أسفار العهد الجديد الجزء الرئيسي الثاني من الكتاب المقدس . فهي الأسفار المسيحية ، التي قبلتها الكنائس المختلفة بدرجات متقاربة على مدى قرون عديدة من الجدل والاختلاف . عندما ظهرت أولى الكتابات المسيحية ، وفي مقدماتها رسائل بولس ، التي كانت تقرأ على الجمهور في اجتماعات العبادة . ثم تلتها رسائل أخرى وأناجيل ، فقد كان ينظر إليها جميعا باعتبارها إضافات صحيحة أو ملحق لما في أسفار الناموس والأنبياء ، التي كانت تقرأ أسبوعيا في المعابد اليهودية والمسيحية .
ليس القرآن الكريم للعرب دون الناس ، بل للناس كافة . فإذا لم تجر محاولة لترجمته إلى لغات أخرى ، فسيظل القرآن كتابا مغلقا للأمم الأخرى ، مفتوحا للعرب فقط . لذلك ، فإنا أيقنا أن القرآن هدى للناس ، فإن ترجمته شريطة أن تكون أقرب ما يكون النص العربي ، ليس خروجا على النص الأصلي . فلئن كان يتعين على قارئ القرآن أن يعرف اللغة العربية ، فلا مندوحة أيضا من إبلاغ الرسالة القرآنية إلى غير الملمين بالعربية . من هنا جاءت ضرورة الترجمة . ولم تزل هذه الضرورة قائمة ، فالذين يلمون بالعربية إلماما يؤهلهم لقراءة القرآن في نصه المنزل ، لا يزيد عددهم عن خمسة في المائة من سكان العالم .
نحن إذن أمام خيارين ، إما أن نتوقف كلية عن ترجمة القرآن ، منتظرين أن يأتي اليوم الذي تعم فيه اللغة العربية العالم ، وإما أن نبذل قصارى ما في طاقتنا لنقل الرسالة القرآنية إلى اللغات الأخرى . وبدهي أن الخيار الأول غير مقبول ، وأن العمل في ترجمة القرآن ، مهما كانت صعوبته ينبغي أن يكثف ، حتى نروي الظمأ الروحي لجمهور غقير من سكان العالم ، الذي يضم المسلمين وغير المسلمين . وقد ترجمت التوراة والأناجيل إلى 1800 لغة ، كي يقرأها المهتمون بالدين والأمور الروحية ، وليس هناك ما يمنع من ترجمة القرآن إلى مثل هذا العدد من اللغات .