لأن البحث في الجدل الفقهي هو أحد أهم أدوات تكوين ذهنية الفقيه الذي يُراد منه أن يخوض غمار النقاش والحوار في هذا العالم المفتوح المتعدد. ولأننا بحاجة إلى إبراز النماذج التراثية النقدية التي تُساعد على فهم التراث بنفس الدرجة التي تساعد بها على الانتفاع بهذا التراث في التنمية الشرعية والثقافية ولأنه لا يزال الشعور المشترك بين قراء أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد المشهور بابن حزم؛ هو الانبهار بهذه الصولة والمهارة والكفاءة الاحتجاجية التي تشيع بين جنبات نصوصه، حتى إنه يمكن اعتبار كتبه بلا مبالغة من النصوص المهمة في تنمية ملكات الاحتجاج والاستدلال المنطقي، ورغم ذلك لم تأخذ التقنيات الاحتجاجية عند أبي محمد حظها من الدرس والتحليل حتى الآن.
كتابنا هذا يقدم نموذجًا رائدًا في تحليل إحدى التقنيات الاحتجاجية المهمة جدا عند أبي محمد ألا وهي: الإلزام، أي: إبطال قول المخالف بناء على أصله، هذه التقنية الآسرة التي يكثر أبو محمد من استعمالها فيبين تجلياتها في كلام أبي محمد.