الحمد لله الذي أنعم على عباده بنعمة الإسلام, واختار منهم أفضل عباده وأطهرهم لإبلاغ
رسالة الحرية والتحرُّر من كل عبودية سوى عبودية الله, والصلاة والسلام على أهل بيتِ نبي المحبة
والرحمة الكرام الأطهار, وعلى صحبه الأجلاء الأبرار, وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد, فإن الدينَ الذي نفخر به اليوم ثمرةٌ لجهاد رجال الله وتضحياتهم; أولئك الذين كانت
قلوبهم مُتَيَّمةً بحب الله, وألسنتهم لَ هِجَةً بذكر الله, وبذلوا الغالي والنفيس في سبيل حفظ رسالات
الله ونشرها, واضعين أرواحهم وأموالهم وأعراضهم على أكفهم ليقدِّموها رخيصةً في سبيل صون
كلمة الله سبحانه وسنة نبيه الكريم, لا تأخذهم في ذلك لومة لائم, ولا يخشون إلا الله.
أجل, هكذا قامت شجرةُ الإِسْلاَمُ العزيز واسْتَقَرَّت ضاربةً بجذورِها أعماق الأرض, بالغةً
بفروعها وثمارها عنان السماء, مُعْليةً كلمة التوحيد والمساواة.
ولكن في أثناء ذلك, تطاولت على قامة الإسلام يد أعدائه الألدَّاء, وظلم علماء السوء
وتحريف المتعبِّدين الجَهَلة, فَشَوَّهُوا صورة الإسلام الناصعة بشركهم وغلوهم وخرافاتهم
وأكاذيبهم, إلى درجة أن تلك الأكاذيب التي كان ينشرها المتاجرون بالدين غطَّت وجه الإسلام
الناصع. وقد اشتدَّ هذا المنحى من الابتعاد عن حقائق الدين وعن سنة رسول الله الحسنة,
بمجيء الصفويين إلى حكم إيران في القرن التاسع الهجري ثم بقيام الجمهورية الإسلامية في
العصر الحاضر, حتى أصبحت المساجد اليوم محلاً لِلَطْمِ الصدور وإقامة المآتم ومجالس العزاء,
وحلَّت الأحاديث الموضوعة المكذوبة محل سنة النبيص, وأصبح المدَّاحون الجهلاء الخدّاعون
للعوام, هم الناطقون الرسميون باسم الدين; وأصبح التفسير بالرأي المذموم والروايات الموضوعة المختَلَقة مستمسكاً للتفرقة بين الشيعة والسنة, ولم يدروا للأسف من الذي سينتفع
ويستفيد من هذه التفرقة المقيتة?
إن دعوة التقريب بين المذاهب الإسلامية التي تُرْفع اليوم في إيران, ليست سوى ضجَّة
إعلامية ودعاية سياسية واسعة, القصد منها جذب الأنظار وإعطاء صورة جيدة عن حكومة
إيران الشيعية في العالم. إن نظرةً إلى قادة الشيعة في إيران وزعماءهم الدينيين ومراجعهم تدل
بوضوح على هذه الحقيقة وهي أن التقريب بين المذاهب الإسلامية والأخوَّة والمحبَّة الدينية بين
المسلمين, على منهج حُكَّام إيران الحاليين, ليست سوى رؤيا وخيالٍ وشعارات برَّاقة لا حقيقة
لها على أرض الواقع.
في هذا الخِضَمّ نهض أفراد مؤمنون موحِّدون من وسط مجتمع الشيعة الإمامية في إيران, دعوا
إلى النقد الذاتي وإعادة النظر في العقائد والممارسات الشيعية الموروثة, ونبذ البدع الطارئة
والخرافات الدخيلة, وإصلاح مذهب العترة النبوية بإزالة ما تراكم فوق وجهه الناصع منذ
العصور القديمة من طبقات كثيفة من غبار العقائد الغالية والأعمال الشركية والبدعية,
والأحاديث الخرافية والآثار والكتب الموضوعة, والعودة به إلى نقائه الأصلي الذي يتجلى في
منابع الإسلام الأصيلة: القرآن الكريم وما وافقه من الصحيح المقطوع به من السنة المحمدية
الشريفة على صاحبها آلاف التحية والسلام وما أيَّدهما من صحيح هدي أئمّة العترة الطاهرة
وسيرتهم; وشمَّر هؤلاء عن ساعد الجِدّ وأطلقوا العِنان لأقلامهم وخطبهم ومحاضراتهم لإزالة
انهض أيها المسلم وامحُ هذه » : صدأ الشرك عن معدن التوحيد الخالص, ولسان حالهم يقول
الخرافات والخزعبلات عن وجه الدين, واقضِ على هذا الشرك الذي يتظاهر باسم التقوى,
.« وأعلن التوحيد وحطِّم الأصنام
وهو أحد أفراد تلك المجموعة من الموحِّدين − « حيدر علي قلمداران القمِّي » لقد اعتبر
أن سبب هذه التفرقة هو جهل المسلمين بكتاب الله وسيرة ,« طريق الاتحاد » المصلحين − في كتابه
نبيه, وسعى من خلال كشف الجذور الأخرى لتفرُّق الفرق الإسلامية, إلى التقدّم خطوات مؤثرة
نحو التقريب الحقيقي بين المذاهب. ولا ريب أن جهود علماء الإسلام الآخرين مثل آية الله السيد أبو الفضل ابن الرضا البرقعي, والسيد مصطفى الحسيني الطباطبائي, وآية الله شريعت
سنكلجي, ويوسف شعار وكثيرين آخرين من أمثال هؤلاء المجاهدين في سبيل الحق, أسوة
ونبراس لكل باحث عن الحق ومتطلِّعٍ إلى جوهر الدين, كي يخطوا هم بدورهم أيضاً خطوات
مؤثرة في طريق البحث والتحقيق التوحيدي, مُتَّبِعين في ذلك أسلوب التحقيق الديني وتمحيص
الادِّعاءات الدينية على ضوء التعاليم الأصيلة للقرآن والسنة, ليعينوا ويرشدوا من ضلوا الطريق
وتقاذفتهم أمواج الشرك والخرافات والأباطيل, ليصلوا بهم إلى بر أمان التوحيد والدين الحق.
إن المساعي الحثيثة التي لم تعرف الكلل لِرُوَّاد التوحيد هؤلاء لَِهيَ رسالةٌ تقع مسؤوليتها على
عاتق الآخرين أيضاً, الذين يشاهدون المشاكل الدينية لمجتمعنا, ويرون ابتعاد المسلمين عن
تعاليم الإسلام الحيَّة, لاسيما في إيران.
هذا ولا يفوتنا أن نُذَكِّر هنا بأن هؤلاء المصلحين الذين نقوم بنشر كتبهم اليوم قد مرُّوا
خلال تحوُّلهم عن مذهبهم الإمامي القديم بمراحل متعددة, واكتشفوا بطلان العقائد الشيعية
الإمامية الخاصة − كالإمامة بمفهومها الشيعي والعصمة والرجعة والغيبة و... وكالموقف مما
شجر بين الصحابة وغير ذلك − بشكل متدرِّج وعلى مراحل, لذا فلا عجب أن نجد في بعض
كتبهم التي ألفوها في بداية تحولهم بعض الآثار والرسوبات من تلك العقائد القديمة لكن كتبهم
التالية تخلَّصت بل نقدت بشدة كل تلك العقائد المغالية واقتربوا للغاية بل عانقوا العقيدة
الإسلامية الصافية والتوحيدية الخالصة.
تُمثِّلُ الكتبُ التي بين أيديكم اليوم سعياً لنشر معارف الدين وتقديراً لمجاهدات رجال الله التي
لم تعرف الكَلَل. إن الهدف من نشر هذه المجموعة من الكتب هو:
١ − إمكانية تنظيم ونشر آثار الموحِّدين بصورة إلكترونية على صفحات الإنترنت, وضمن أقراص
مضغوطة, وبصورة كتب مطبوعة, لتهيئة الأرضية اللازمة لتعرُّف المجتمع على أفكارهم
التوحيدية وآرائهم الإصلاحية, لتأمين نقل قِيَم الدين الأصيلة إلى الأجيال اللاحقة.
٢− التعريف بآثار هؤلاء العلماء الموحِّدين وأفكارهم يشكِّل مشعلاً يهدي الأبحاث التوحيدية
وينير الدرب لطلاب الحقيقة ويقدِّم نموذجاً يُحْتَذَى لمجتمع علماء إيران.
٣ − هذه الكتب تحث المجتمع الديني في إيران الذي اعتاد التقليد المحض, وتصديق كل ما يقوله
رجال الدين دون تفكير, والذي يتمحور حول المراجع ويحب المدَّاحين, إلى التفكير في
أفكارهم الدينية, ويدعوهم إلى استبدال ثقافة التقليد بثقافة التوحيد, ويريهم كيف نهض من
بطن الشيعة الغلاة الخرافيين, رجال أدركوا نور التوحيد اعتماداً على كتاب الله وسنة رسوله.
٤− إن نشر آثار هؤلاء الموحِّدين الأطهار وأفكارهم, ينقذ ثمرات أبحاثهم الخالصة من مقصِّ
الرقيب ومن تغييب قادة الدين والثقافة في إيران لهذه الآثار القَيِّمة والتعتيم عليها, كما أن
ترجمة هذه الآثار القَيِّمة لسائر اللغات يُعَرِّف الأمّة الإسلامية بآراء الموحدين المسلمين في
إيران وبأفكارهم النيِّرة