يدور حديثنا في هذا الكتاب عن اجتياح العرب للشعوب المدنية المجاورة لهم وطمس حضارتها وهويتها وثقافتها.. وبداية، نوضح أن كلمة أقباط أو قبطي، تعني " جبتي" نسبة إلى إيجبت، ولكن العرب لا يجيدون نطق حرف الجيم فيقلبونه قاف، أما نحن فنجيد نطقه بلساننا الوطني، إذن كلمة قبطي هي كلمة أعجمية مُعربة عن الهيروغليفية، وصارت اصطلاح عربي، والأصل الصحيح لها هو "جبتي" وتعني هنا كل مصري يشعر بانتمائه الحقيقي لهذا البلد "إيجبت " الذي يرويه نهر النيل وينشر الطمي والخضرة على ضفاف الوادي، فلدينا الجبتي المسلم، والجبتي المسيحي. والدين أو العقيدة أمر مختلف عن العقيدة الوطنية تماماً، فالعقيدة الوطنية " جبتي " والعقيدة الدينية مسلم أو مسيحي، والعقيدة الدينية تختص بالأمور الروحانية والعبودية، أما العقيدة الوطنية فتختص بالانتماء للبلد نفسه وحضارته وثقافته والدفاع عنه والشراكة في ملكية هذا الوطن.. لكن بعدما احتل الأعراب بلادنا ونهبوا اقتصادنا وسبوا بناتنا وقالوا لنا أن هذا فتحٌ إسلامي ! وصدقناهم واعتبرناه فتحاً علينا ! ...
لقد تعرض الشعب الجبتي خلال تاريخه الطويل إلى أقصى ما يمكن أن يتعرض له أو أن يمر به شعب من شعوب الدنيا كلها، من المرارة والمعاناة والألم، بداية من الهكسوس العرب القدامى، مروراً الفرس واليونانيون والرومان ثم العرب مرة ثانية.. وكل ذلك طمعاً في ثرواته، تعرض الجبتيين إلى عاملين مؤثرين خطيرين هما؛ 1 ـ مسخ الشخصية الجبتية وفقدان الهوية والانتماء الحقيقي لوطنهم2 ـ تزييف التاريخ الجبتي وتزويره أو إهماله وتجاهله.
فبعدما ذبُلت همتنا واستكانت عقليتنا الجمعية وانطفأت حضارتنا فقدنا الثقة بأنفسنا ووطننا وصرنا لا نذكر حتى تاريخ أجدادنا.. صرنا نفتخر بفتوحات الجيران العرب وغزواتهم وبطولاتهم حتى انتصارهم على وطننا صار مفخرة لنا ! نسميه فتحاً عربياً ! وكأن عقولنا انقلبت لتفكر بعقول الجيران ولصالحهم وتتكلم بلسان حالهم ! ونحن متيمين بهم نجعلهم آباء الحضارة والدين .. بينما هم حفنة من الجهلاء لا أكثر، وكل ما في الأمر أننا هبطنا في مستوى جهلنا أكثر منهم، فصاروا هم القادة والزعماء ليس لأنهم زعماء ولكن لأننا عبيد..
لقد فرض الغزاة على المصريين التنكر لشخصيتهم الحضارية، وألبسوهم ثوباً غير ثوبهم، فرضوا بالإكراه على ألسنتهم لغة ليست لغتهم، جعلوهم يمارسون عادات ذميمة ليست عاداتهم، ينسبونهم إلى آباء الجاهلية والجهل الذين ليسوا هم في الحقيقة آبائهم، جعلوا كثيرين منهم بالإظلام الفكري أعداء أنفسهم وأعداء حضارتهم، لأنهم أصبحوا يجهلون قيمتها، وأصبحوا يقدسون تاريخ الجاهلية العربية باعتبارها منبع الإسلام، بينما الإسلام دين هو جزء من ثقافة الإنسان، أما الحضارة فهي كل ثقافته وهويته، وقد تنازل الجبتيون عن هويتهم وحضارتهم وقوميتهم ولغتهم وتاريخهم وقدسوا قومية العرب، والإنسان أحياناً يكون عدو ما يجهل.
وقع المصريون بعد ذلك في مشكلة تحديد هويتهم، وكما يذكر الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، في أحد مقالاته "إن النظام المصري وقع في مشكلة تحديد الهوية المصرية ولم يستطع لفترة طويلة أن يصل فيها إلى جواب، والهوية الوطنية بالنسبة للشعوب هي بطاقة تحقيق الشخصية بالنسبة للأفراد، وكانت النتيجة أن وقعت اهتزازات حضارية خلقت مواقف من الحيرة والتردد الطويل أمامها. وعلى سبيل المثال، فإنه في وقت من الأوقات، وخصوصاً أيام الوحدة مع سوريا، كانت أي إشارة إلى تاريخ مصر الفرعوني القديم، تعتبر إساءة لا تغتفر أو هي سقطة تستوجب الاعتذار عنها..". (!!)
في هذا الكتاب سنقف على عدة محاور أساسية، أهمها؛ مسقط رأسي: بين الدين والحضارة- بدء البعثة النبوية - ملخص وقائع الفتح العربي لمصر - مسقط رأسي: كيف حكمت سلالة قريش الحضارات المدنية - كيف نشر الصحابة الإسلام في مصر - الفتوحات العربية؛ جرائم حرب أم عبادة؟ - الفرق بين الإنسانية وجرائم الحرب ونشر الأديان - نشر الدين الإسلامي في فارس والعراق - نشر الإسلام في شمال إفريقيا، والمحصلة النهائية لجهود الصحابة الكرام تمثلت في النموذج الجهادي الذي طرحه داعش.