يُعرّف هذا الكتاب القارئ على روعة تراثنا الفني الأصيل، وذلك من خلال متابعة المراحل التي مر بها نسخ المصحف الشريف، وما يتعلق به من تجليد وتذهب. ويعتبر موضوع المصحف الشريف هذا موضوع واسع وعميق يستوعب دراسات متعددة بسبب نشره بلغته العربية، مما جعل له وللتعاليم القرآنية سيادة مطلقة في العالم الإسلامي كله، مما أدى إلى ابتداع كثير من الفنون وازدهارها، وفي إبراز الفن الإسلامي وإبراز شخصيته... والأمثلة القليلة التي وصلت إلينا تعد خير شاهد على وفرة ما استنسخ من المصاحف الشريفة وتنوعها في العصر الإسلامي على أيدي النساخ من الخطاطين والعلماء الذين كان لهم الفضل في كتابته على مرّ العصور.<p>وإذا كانت عوامل الطبيعة والإهمال قد أضاعت في الماضي الكثير مما استنسخ من مصاحف تمثل أنموذجاً لتطور الكتابة والخط العربي فإن هناك من المهتمين والباحثين في الوقت الحاضر من يقلل من شأن هذا الدور. وبالعودة إلى الدراسة المقدمة في هذا الكتاب حول تاريخ نسخ المصحف الشريف، نجد أنها اشتملت على مجموعة من المواضيع التي تتعلق بالمصحف الشريف ابتداء من: أصل الكتابة العربية الأولى وآراء مؤرخي العرب ونظرياتهم-ثم تسميات الخطوط العربية الأولى وواضعي قواعدها ثم الكُتَّاب في الصدر الإسلامي الأول؛ لا سيما كُتّاب النبي صلى الله عليه وسلم، كما اشتمل أيضاً على التدوين عند العرب والاصطلاحات التي طرأت على الخط العربي على مرّ العصور، والمخطوط وما يتعلق به كعلم الوِراقة. فضلاً عن ذكر النسّاخين وشروط النسخ ومواد الكتابة الأولى من عسب وكرانيف وغيرها.<p>وقد ذكر المؤلف وبإيجاز من كَتَبَ المصاحف وكذلك أعطى لمحة عن صناعة الحبر وأنواعه منتقلاً من ثم إلى الحديث عن المخطوطات وما كان من أمرها في مصر والعراق وبلاد المغرب، والمظاهر الجمالية فيها وما يتعلق بترميمها. مختتماً الدراسة بموضوع أخير يتناول ذكر المصاحف الشريفة في العالم الإسلامي وتراجم لمشاهير الخطاطين والنساخين للمصاحف وعدد ما نسخوه من مصاحف. ويذكر المؤلف بأنه اتجه إلى دراسته هذه حول تاريخ رحلة المصحف الشريف بعد أن لاحظ أن المصحف الشريف لم ينل نصيبه من البحث والتحليل، وحتى تلك الأبحاث القليلة التي كتبت عنه لم تتناوله بصورة وافية.<p>علماً أن هذه الدراسة شقة وشيقة، شاقة لأنها تتطلب الإلمام بكل ما أحرزه الفنان المسلم من الكتابة وما يتعلق بها. وهي شيقة لأنها تبرز الماضي واضحاً جلياً محبباً إلى النفس، وتشهد بذلك النماذج الخطية لأجمل ما نمّقه الأقدمون من عرب وغير عرب، وهي في الوقت نفسه متعة لهواة هذا الفن، فن النسخ.