登入選單
返回Google圖書搜尋
رسالة الفكر في زمن العدوان
註釋

في هذه الصفحات أفكارُ عانيناها منذ فترة طويلة، وبعضها لازلنا نعانيه إلى يومنا هذا لم نتخلَّص من سيطرتها بعدُ؛ هى لنا بمثابة الحياة .. كنّا لاشك نحياها على الأوراق ونتمثلها في الواقع ونعيشها في حروفها ومعانيها؛ ولم نكن إذْ ذاك ندرك أن الأيام ستدور دورتها الفاعلة مع الأحداث المختلفة المتصارعة لتقول لنا بأبلغ لسان إن المعاناة الحقيقية من أجل فكرة علوية نافعة لا تضيع؛ وأن مقاساة التجربة على مستوي النظر والتفكير تُشْبِه مقاساتها على صعيد العمل والممارسة؛ وأن فعل الكتابة نفسه هو من صميم التجربة الروحيّة مع المقروء والمكتوب؛ فلئن كانت المُعاناة ذاتها

تجربة؛ وكانت «الكتابة » معاناة صاحبها؛ فا أقلَّ من أن تأتي آثار تلك المعاناة تعبيراً عن خصوصية الكاتب فيما يمرُّ به من أحوال تماماً كما أن صاحب التجربة الروحيّة تمُر به أحواله في الطريق.

إن تدوين التفكير من أصعب ما يمكن فيما لو كان التفكير تجربة ومعاناة؛ وفيما لو كانت الفكرة حياة صاحبها ولا تزيد .. هنالك تجد الكاتب في أغلب حالاته مُغيَّباً عن الواقع الذي يعيشه مع وجوده فعاً في الواقع العملي؛ تنتابه حالات تشبه الغيبوبة أو هكذا يُخيَّل إلى من يراه؛ ولا أحد يدري كوامن ما في صدره من مراجل تغلي وتفور؛ شأن الشاعر فيما يحسُّ به وفيما يشعر؛ وشأن الموهوب فيما يعمل فيه وفيما يقْدِم عليه؛ وبمقدار انفصاله عن واقعه يبدع حن يرى ما لا يراه الآخرون ممَّن ينغمسون في الحياة العامة والخاصة انغماساً لا يتيح لهم ولو للحظة واحدة فرصة التأمل داخل ذواتهم كيما يدركون منها ما لا يدركه سواهم؛ يدركون منها المعنى الكبير لهذه الحياة الإنسانية العامرة بالفعل الإلهي العجيب.

وفي هذه الصفحات دعوة إلى قيم الحق والخير والجمال، وبحث يتناوله الكاتب حول قيم الحق والخير والجمال؛ وفي إطار فلسفة القيم ومن وجهة نظر ذوقية يعالج الكاتب هذه الموضوعات المتباينة حفاظاً على قيم الحق والخير والجمال. سيجد القارئ لهذا الكتاب بحوثاً مستفيضة تنصب كلها في بوتقة القيمة والدفاع عنها والطرق الدائم على فاعليتها سواء كانت هذه القيمة في عالم الفكر والتنظير أو في الواقع العملي والحياة اليومية. إن دفاعنا عن القيم أينما كانت إنما هو دفاع عن الإنسان : الإنسان الذي سحقته الآلة وأصبح اليوم يعيش في عالم بلا قيم ويبحث عن حقيقته الأصلية فا يجد منها سوى أشباح. تنصب قضايا هذا الكتاب ومشكلاته في الذود عن القيمة وإحياء ما كان اندثر منها والتمسك بما بقى فيها من أجل تثويره في وعي الإنسان كيما ينهض بمقتضاها نهضته الحقيقية التي لا تعرف الزيف ولا

يتطرق إليها من شواغل الوهم المعشش بهتان!