كلمةُ هيئةِ التّحريرِ
كل شجرة عالية الارتفاع تأتي من بذرة أو غرسة، قد تم رعايتها والاعتناء بها وإرواؤها بالماء العذب الرقراق. وهكذا، كان مؤتمرنا، الذي انطلق "بذرة-فكرة" من خلال ندوة افتراضية عبر تقنية الزووم، في شوال 1441هـ/ حزيران (يونيو) 2020م، عقدتها الهيئة الإسلامية العليا بالقدس، بالتعاون مع نادي الموظفين بالقدس، تحدث فيها مجموعة من علماء فلسطين، بعنوان: "الاقتصادُ الإِسْلاميُّ- مُشْكِلاتٌ وَحُلولٌ: المَصارِفُ الإِسْلاميّةُ أُنْموذجًا"، افتتحها ورعاها سماحة أمين المنبر ورئيس الهيئة الإسلامية العليا بالقدس الشيخ د. عكرمة صبري، ضمن استراتيجية اتبعتها الهيئة والنادي في مواجهة جائحة الكورونا بالثقافة والتثقيف والتوعية في جميع المجالات التي تهم المجتمع المقدسي، والمجتمع الفلسطيني على وجه العموم.
ولمزيد من التعمق في موضوع المصارف الإسلامية، ومعالجة همومها وقضاياها، أبرق سماحة الشيخ عكرمة إلى العالِم العراقي الجليل "أ. د. أسامة العاني" المشرف على منصة الاقتصاد الإسلامي، وبعد ستة أشهر (في جمادى الأولى 1442هـ/ كانون الأول (ديسمبر) 2020م) عقدت الهيئة ندوة أخرى بعنوان: "المصارف الإسلامية: أهميتها ودورها في الاقتصاد المجتمعي"، بالتعاون مع منصة الاقتصاد الإسلامي، شارك فيها مجموعة من المختصين من فلسطين والعراق.
تبيّن في هاتين الندوتين مدى الحاجة إلى عقد مؤتمر "دولي"، أعلنت عنه الهيئة بالتعاون مع منصة الاقتصاد الإسلامي، فانعقد المؤتمر الأكاديمي السادس للهيئة، بعنوان: "المصارف الإسلامية: بين الواقع والمأمول"، شارك فيه ثلّة من علماء الأمة وباحثيها، من مختلف الأقطار، تغطية ماليّة كريمة من البنك الإسلامي العربي، والبنك الإسلامي الفلسطيني، وإسهام من عضو الهيئة الإسلامية العليا بالقدس الدكتور عبد الرحيم الحنبلي. واستمر هذان البنكان الإسلاميان في الدعم والإسناد، وصولًا إلى تغطية طباعة هذا الكتاب، لجعله مصدرًا، أو مرجعًا مهمًّا استشعرنا ضرورة توفيره بين يدي الباحثين والباحثات في الجامعات، على امتداد الوطن العربي.
لقد قامتْ هيئة التَّحرير بتوزيع أوراق المؤتمر على أربعة محاورَ:
المحور الأوّل بعنوان "المصارف الإسلامية: النظرية والتطبيق ودور الرقابة الشرعية عليها"؛ يتطرَّق إلى خمسة عناوين تعالج المسؤولية المجتمعية للمصارف الإسلامية، ونشأة تلك المصارف وطرق استثمارها. واستعْرَضَ الباحثون، في هذا المِحْوَرِ، بشئ من الإسهاب، موضوع الرقابة الشرعية على المصارف الإسلامية، من مختلف الجوانب، بخاصة في فلسطين، والأردن والمغرب.
أمّا في المحور الثاني، فقد تم استعراض نماذج إبداعية للدور الاجتماعي للمصارف الإسلامية في كل من: فلسطين، والعراق، والأردن والجزائر والمغرب. وقد غطت الأوراق مسؤولية هذه المصارف في الاقتصاد الأخضر، والدور الاجتماعي لها، ودورها في الشمول المالي، وإسهامها في إحداث التنمية الشاملة، كما تم تناول دور المصارف الإسلامية في ظل جائحة الكورونا.
تناول المحور الثالثُ، صيغ التمويل والاستثمار في المصارف الإسلامية، فقد تم استعراض دور المصارف الإسلامية العراقية في تمويل المشاريع الصغيرة، وفي الجزائر استُعرض تفعيل دور التمويل الإسلامي في القطاع البنكي الجزائري، وصيغة التمويل بالمرابحة ودورها في تطوير الصيرفة الإسلامية. كما تم تناول موضوع الهندسة المالية الإسلامية ودورها في تطوير صيغ الاستثمار والتمويل في المصارف الإسلامية، والتمويل بالسلم في المؤسسات المالية الإسلامية وأثره على التنمية الاقتصادية.
وفي المحور الرابع، تم استعراض تجارب حقيقية تتعلق بالتحديات والعقبات التي تواجه المصارف الإسلامية، لا سيما في فلسطين، والأردن والجزائر. بخاصة دور تقنية البلوكشين في إدارة مخاطر البنوك الإسلامية.
ويَنتهي الكتابُ بتوصياتٍ، تم استقاؤها مما ورد في أوراق الباحثين، وما جاء من آراء ومقترحات عملية خلال النقاشات والمداخلات في جلسات المؤتمر، بِما ينسجمُ والأهدافَ الاستراتيجيَّة الّتي عُقِدَ من أجلِها المؤتمرُ، والقاضية بتوفير إضاءات كافية على القضايا الملحّة التي تمكن العلماء والباحثين من تبادل الرأي حولها.
أ. عزيز محمود العصا
مقرِّرُ هيئةِ التَّحريرِ