الحديث عن الاجتهاد حديث عن المعرفة، والفكر، والفقه، وعن بذل الجهد والعمر في خدمة الحقيقة والعقيدة والشريعة؛ تاريخ حافل بإنجازات وإخفاقات، آمال وأهداف، ورؤى وتصورات وتصديقات. إذ كان لكل عصر اجتهاده المقرون بالنجاح تارة، وبالإخفاق أخرى، اجتهادات ساهمت في البناء والتطور والرقي، في مقابل اجتهادات أخفقت في تحقيق الأهداف وبلوغ المرامي والمقاصد، مثلها مثل باقي حقول المعرفة الإنسانية المليئة بالنجاحات تارة وبالإخفاقات أخرى.
لكن ومثل العديد من الساحات العلمية والعملية التي نعيشها اليوم، فإن إنجازات ونجاحات الماضي، في دائرة الاجتهاد – مثلها مثل باقي الدوائر العلمية والمعرفية، في الواقع العربي والإسلامي – أكثر كما ونوعا وتأثيرا مما يدور ويعمل عليه في الحاضر. فإننا نعيش في عصر النسخ والاستنساخ، والإعادة والاستعادة، والاستصحاب والتقليد والتكرار، لمواقف ومناهج ومسائل انتجت في الماضي، وارتبطت بظروفه ومتطلباته ومقتضياته الواقعية والظرفية. بل نحن، في موارد كثيرة، نتبع العلماء الماضين حرفا بحرف: تصورا، وتصديقا، وفهما وفقها وقرائة للنصوص، ونقتفي أثرهم في طرق الفهم ومسالك البحث ومناهج الاستنباط وموارد الاستشهاد والاقتباس وفي التصحيح والتخطئة.