استقبل المشهد الصحفي المصري في يونيو عام 1996 البدايات الاول لنشأة وظهور الصحافة الخاصة التي كانت – بلا شك - انقلابا في بلاط صاحبة الجلالة وهي مهنة الصحافة وذلك عبر ظهور صحيفة "النبأ الوطني" الأسبوعية كأول جريدة تصدر بمقتضى قانون تنظيم الصحافة رقم 96 لسنة 1996، طبقاً للفصل الثاني من الباب الثاني وبالمواد 52 و53 و54، وهي المواد التي أعطت للأشخاص الاعتبارية الخاصة حق إصدار وتملك الصحف في شكل تعاونيات أو شركات مساهمة أو شركات توصية بالأسهم، وتوالت بعد ذلك الصحف الخاصة، الأسبوع 1997، الميدان 1999، صوت الأمة 1996 وفي إصدارها الثاني عام 2000 والزمان 1999، وصدرت كذلك الكتب وجهات نظر والملاعب العربية التي توقفت عن الصدور بوفاة صاحب ترخيصها لتصل الصحف الخاصة بذلك إلى ثمانية صحف. ثم توالت اصدار الصحف الخاصة الاخر مع البدايات الاولي لعام 2000 بصدور الدستور وجريدة المصري اليوم والشروق واليوم السابع والبديل والفجر والوطن والطريق والديار والمال والبورصة والسوق العربية والانباء الدولية والفتح والمصرية والزهور ونهضة مصر وعالم المال والنهار والبوابة والتحرير والمصريون والصباح العقارية والمشهد والجماهير والفرسان وصوت الملايين والموجز وصوت البلد والشارع و24 ساعة والمقال.. الخ.
وتوجد في بلادنا 550 مطبوعة وطنية مرخصة حتي أول يناير عام 2019 - وقت اعداد هذا الكتاب - من بينها 85 صحيفة صادرة عن شركات مساهمة مصرية وهي ما تعرف بالصحافة الخاصة, الموضوع الرئيسي لهذا الكتاب. وهناك 56 صحيفة مملوكة للمؤسسات الصحفية القومية و32 صحيفة صادرة عن احزاب سياسية مصرية. و58 صحيفة صادرة عن الجامعات والمعاهد التعليمية و9 صحف صادرة عن اندية رياضية و4 صحف صادرة عن الطرق الصوفية و6 صحف عن مجالس شعبية و4 صحف عن بعض الهيئات القضائية و19 صحيفة عن النقابات المهنية والعمالية و83 صحيفة صادرة عن هيئات ومصالح حكومية و10 صادرة عن اتحادات نوعية و16 صحيفة صادرة عن كنائس وطوائف مسيحية و5 صحف صادرة عن الغرف التجارية و13 صحيفة صادرة عن المحافظات و139 صحيفة صادرة عن جمعيات أهلية منشأة وفقا للقانون وهناك 8 صحف صادرة عن بعض الهيئات الدولية.
ولقد استفادت الصحافة الخاصة من المساحة المفقودة بين كل من الصحافة القومية والحزبية والتي تضم أعداداً كبيرة من القراء الذين يتطلعون إلى صحافة مختلفة لا تتقيد بالطابع الرسمي ولا تحبس نفسها داخل أسوار الرؤية الحزبية الضيقة إلا أن الصحافة الخاصة تبنت سياسات صحفية تعتمد على الإثارة السياسية والاقتصادية والجنسية، ويتم تمويل هذه الصحف من الإعلانات والتوزيع وهي المصادر المعلنة وربما يتم تمولها أحيانا من قبل التبرعات الخارجية وهي امور غير معلنة، فضلا عن التبرعات الداخلية من قبل ملاكها.
ويغلب علي مضمون واخراج الصحف الخاصة طابع الإثارة والتهويل في معالجتها للقضايا المحلية والعربية، ورغم أن هذه الصحف نجحت في استقطاب قطاع كبير من القراء، إلا أنها فشلت – معظمها - في خلق منتج صحفي جاد وهادف بل أسهمت في الترويج للصحافة الاستهلاكية المستندة إلى الجنس ومخاطبة الغرائز. ونمط الصحف الخاصة في مصر - كما تؤكد احدي الدراسات الاعلامية - انطوى على المغالاة في تقديم مواد الجريمة والجنس واقتحام الحياة الخاصة للشخصيات العامة وكشف الأسرار الحكومية التي تؤثر على العلاقات بين الدول والمساس بالأمن القومي وذلك بحجة تقديم الحقائق للناس حتى يكون لديهم المعلومات التي تفي بمسئولياتهم كمواطنين.
ومع بدايات هذه الصحف كان من الصعب الحكم على توجهاتها وأداءها، إلا أن الممارسة الصحفية التي أتبعتها في معالجاتها للقضايا التي تتناولها أثبتت أنها تنحو تجاه معالجة صحفية مختلفة عن نمطي الصحافة القومية والحزبية. حيث كان هدفها هو الوصول إلى القارئ وجذب انتباهه وكسب تعلقه بها باعتباره مصدراً مهماً من مصادر تمويلها، وقد أفرزت هذه الصحف ظاهرة تعاملت معها الأوساط الأكاديمية والمهنية في مصر على أنها جديدة على الصحافة المصرية وهي "ظاهرة صحافة الإثارة ".
والصحافة الخاصة، التي يحلو لملاكها انتحال صفة "المستقلة" وإلصاقها بصحفهم وما هي بمستقلة لانها تتبع رأس المال الذي يمولها بكل ما يحمله من ايديولوجية، وهي تصدر وفق قانون الصحافة، وهو القانون الذي جري تعديله عقب أزمة القانون 93، الشهير بقانون ترهيب الصحفيين وتكميم الأفواه! وقد سعي التعديل الي تخفيف إجراءات إصدار الصحف الخاصة، وان كان قرار الموافقة ظل عقدا من الزمان قرارا أمنيا في المقام الأول، وربما الأخير، لدرجة ان هناك من حصلوا علي أحكام قضائية باتت واجبة النفاذ، بأحقيتهم في الحصول علي الرخصة القانونية بالصدور، حتي تحول القرار بعد ذلك ليصبح سياسيا، قبل الالتفاف الأمني عليه، بالتحكم في الأمر من المنبع، فإذا كان القانون يستلزم في البداية تأسيس شركة لإصدار صحيفة، قبل الذهاب للمجلس الاعلي للصحافة "قبل ان يتحول الي الهيئة الوطنية للصحافة"، فان عقدة النكاح هنا أصبحت في الغالب في يد الأجهزة الأمنية.!
علي أي حال فقد نشأة الصحف الخاصة وسط مناخ صحفي قومي يوجه وجهته قبل الحكومة بمؤسساتها السياسية ووزاراتها ويسعى إلى نشر كل ما هو وردى عنها وتصوير الامور المجتمعية برمتها علي انها علي ما يرام ووسط مناخ حزبي لا يري أي انتهاكات في حزبه السياسي بل يمارس الحزب النقد لبعض القضاياعلي استحياء بل تغض الطرف عن امور اخري كثيرة في المجتمع حتي لا تمنع الحكومة عنها التمويل السنوي المخصص لها والذي توقف, فأرادت الصحف الخاصة إن تخرج من هذا المناخ "المتطرف فى الايجابيات" بأخر مضاد "متطرف فى السلبيات" حيث تفننت فى نشر الأخبار والموضوعات التى لا تنشر في الصحف القومية ولا في الصحف الحزبية الأمر الذي أثر على القارىء الذى وقف حائرا بين تطرفين متناقضين وبالطبع المتوقع إن يتبدل هذا الوضع مع الوقت بان تستطيع الصحف الخاصة أن تستكمل كادرها الصحفى وأن تستطيع الخروج من أسر الحكومة والحزبية وما عداها من ضغوط تقع فيها.
وقد حركت هذه الصحف الخاصة الركود الذي ساد النظام الصحفي المصري في العقود الاربعة الأخيرة فضلا عن أنها كشفت عن مواهب صحفية جديدة ومتعددة تولوا قيادة جميع برامج التوك شو في الفضئيات المصرية والعربية من اعداد وتقديم فضلا عن رئاسة تحرير المواقع الالكترونية والاخبارية الكبري في البلاد.
وكشفت عن أن الصحافة شيء أخر مختلف عما تقدمه الصحف القومية وربما الحزبية أيضا، الأمر الذى يجعلنا نتفق مع القائلين بأن مستقبل الصحافة في مصر سيكون للصحف الخاصة التي عليها إن تتلافى سلبياتها لكي تتصدر المشهد الصحفي ومع الوقت ستضطر الصحف القائمة لتغيير سياستها وتوجهاتها وتجبر الحكومة على تعديل جوانب كثيرة مرتبطة بالنظام الصحفي سيودى بالضرورة إلى نشوء صحف أخري مختلفة تماما ومتلافية للأخطاء التي تقع فيها الصحف الخاصة والقومية بما يجعل الصحف الخاصة تتولى الصدارة الصحفية المصرية فى المستقبل.
وفي هذا العمل سنتناول بالتحليل والدراسة والتقييم - وليس بالتوثيق فقط - ظاهرة الصحافة الخاصة التي كان ظهورها بمثابة إنقلابا في بلاط صاحبة الجلالة وتحريكا للمياه الراكدة في الوسط الصحفي المطبوع والالكتروني علي السواء وربما في برامج التوك شو في الفضائيات التي يعمل بها عدد كبير من الصحفيين في الصحافة الخاصة.
كما سنتناول مفهوم الصحافة الخاصة وهل هي صحافة خاصة ام مستقلة وما هو الاسم الصحيح لها وما هو تاريخ نشأتها وتأسيسها الاول والاطار القانوني والتشريعي لها مع القاء الضوء علي غرفة صناعة الصحافة الخاصة وسوف نتناول بعض معارك الصحافة الخاصة وضحاياها ثم نتناول نماذج من ابرز الصحف الخاصة واهمها علي الساحة الصحفية في العقود الاخيرة حتي الان بعد انتهاء الفترة الرئاسية الاولي للرئيس عبد الفتاح السيسي وبداية الفترة الثانية له.
ثم التطرق الي أخلاقيات ممارسة الصحافة الخاصة من خلال دراسة قام بها مؤلف الكتاب واستعراض اراء شيوخ المهنة في هذه الصحافة كظاهرة من الناحية التقيمية والتحليلية. وادعوا الله ان يكون في هذا العمل المتواضع افادة من قبل القائمين علي العمل الصحفي وطلاب العلم والباحثين الماجستير والدكتوراه في مصر والدول العربية وان يجعله الله في ميزان حسناتنا يوم نلقاه.