لقد كانت الأمة الإسلامية ـ إبان عهودها الأولى ـ في أوج عظمتها، قوةً وعلمًا وما ذاك إلا بفضل تمسكها بكتابها الكريم وسنة نبيها العظيم صلى الله عليه وسلم، وفقه صحابتها الأجلاء، ظلت هكذا قرونًا عديدة، فحمت العقيدة، ونشرت العلم النافع فيما يحتاجه الناس في أمر دينهم ودنياهم.
غير أنه ـ ولأسباب عديدةـ أخذت عوامل الضعف تنخر في جسدها، حتى أصبحت مطمعاً لأعدائها المتربصين، فأخذت تتعرض لهجمات وهجمات من هنا وهناك، وتكالب عليها الأعداء من كل صوب وحدب، في غزوً عسكري جريء، وهذا بدوره مهد لغزو الأمة في تراثها الفكري، والذي هو أشد فتكاً من الغزو العسكري، إلا أن الله الرحيم بها قد قيض لها في كل زمان حماة لدينه، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين.
وكان الإمام تقي الدين شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن عبدالله بن أبي القاسم بن الخضر النميري الحراني أبو العباس، والذي اشتهر بإبن تيمية ممن عاصروا فترة ظهور التتار على المسلمين، وما استتبع ذلك من انتشار أفكار غريبة على ديننا الإسلامي وعقيدته السمحة، فجند الإمام ابن تيمية - رحمه الله - علمه وقلمه وكل ما أوتي ليدافع عن عقيدة المسلمين وشريعتهم، في سبيل ذلك لاقى الإمام كثيراً من العنت والمشقة، ما بين سجن أو نفي، أو اتهام بالضلال، إلا أن هذا لم يثنه عن طريقه، ولم يفت من عضده، في الذبّ عن عقيدة الإسلام حتى تظل بيضاء نقية كما أراد لها صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم.
كما كان - رحمه الله- نموذجا للداعية الحصيف الذي يفقه مقتضيات عصره وعلومه، فقد جمع بين غزارة العلم، وعمق الفهم، والإحاطة بعلم الشريعة والعلوم الفلسفية والكلامية والعلوم الرياضية وغيرها، التي عرفت في عصره وقبل عصره مما جعل أهل العلم يطبقون على الثناء عليه، والإذعان لإمامته في العلوم والفنون، وبأنه فريد عصره، ووحيد دهره، علماً ومعرفت، وشجاعة وذكاء وكرما، ونصحاً للأمة، وآمراً بالمعروف، ونهياً عن المنكر.
وكان من ناتج هذا الجهاد الطويل أن كتب الإمام وأملى آلاف الأوراق حتى بلغت تصانيفه ثلاثمائة مجلدة- كما ذكر صاحب فوات الوفيات - وقيل: تزيد على أربعة آلاف كراسة - كما في الدرر الكامنة - ما من جواب على سؤال أو مؤلف لموضوع وجد الناس فيه حاجة إليه، كبيان لما يجب على الأمة فهمه وتعلمه من أمر دينها في العقيدة والعبادات أو ذكر أحوال الفرق الضالة المبتدعة وتحذير الأمه منها.
وشركة العبيكان للنشر وحرصاً منها على حفظ التراث وإظهار درره إلى النور فإنها تسعد بنشره ورقياً وإلكترونيًا.
والله من وراء القصد