ينبري نصّ ``شمس القراميد`` مفتوح الدّلالة كثيف المعاني يتفاعل مع نصوص متعدّدة ومرجعيّات مختلفة تمتدّ إلى روافد عديدة وتجارب إبداعيّة مختلفة تثير أكثر من صورة فنيّة وأكثر من بعد تأويلي، ذلك أنّه يكوّن عالما لا حدود فيه بين السّؤال والجواب، عالم طلسم ملتبس، ومتاهة من الصّور والأفكار وحيرة تغزو إدراكنا إذ يبني اليوسفي رواية ``شمس القراميد`` وفق بنية تذكّريّة استرجاعيّة تدعّم ديمومة النّواة الطفوليّة في الحياة الإنسانيّة فيرحل عبر تقنية السّرد إلى الماضي حيث الطّفولة وبدايات الشّباب، طفولة حافلة بالذّكريات في قرية ``كاف الحجر`` موطن جابر الطّرودي طريد الأحلام والرّؤى المفتوحة على الزّمن المطلق والحكايات الأسطوريّة. يبني المؤلّف نصّ الرّواية انطلاقا من الماضي فتشتغل المخيلة الرّاوية وفق عمليّة استرجاعيّة تتفاعل خلالها ذاكرة الفرد بالذاكرة الشّعبيّة حيث نشأت واتّصلت بالعالم وفي ذلك تركيز واضح على التّراث الذي وقع توظيفه توظيفا جماليّا دلاليّا وهنا تبرز القيمة الفنيّة للرّواية إذ لا فنّ ولا فكر ولا رمز ولا متخيّل من غير ذاكرة لهذا تتحوّل الرّواية إلى فضاء يحتضن الأسئلة المتناسلة تلك التي يتداخل فيها الذّاتي بالجماعي والتراثي بالحداثي، والمعيش المستعاد والتاريخي باليومي والواقعي بالعجائبي... فتدفّق السّرد وانسياب عمليّة التذكّر يمكّنان الملفوظ الرّوائي فضلا عن تدفّق تيّار الوعي من استجلاء عوالم الذّات الباطنيّة واختراق المحظور من خلال ردم المسافة بين الشّعور واللاّشعور وإعادة صياغة عوالم الذّات صياغة تخييليّة وفتحها على عوالم الحلم، فرواية ``شمس القراميد`` تجسّد عالما تخييليّا تتحرّك فيه شخصيّات مختلفة وروّاة وأبطال في أمكنة وأزمنة مفتوحة وأخرى مغلقة وتحكمه علاقات فنيّة ودلاليّة وفي نطاق ذلك البناء تحاول تجاوز الأنا في تجربتها إلى تواصل جماعي على مستوى الخبرة الجماليّة، مشاركة في معرفة من نوع خاصّ للنّفس والعالم معا منصهرة في وحدة رمزيّة ودلاليّة تجمع بين النّظام والتناقض معا فيصبح الشّتات اللّغوي وحدة معنويّة دلاليّة ويتحوّل التركيب الغامض لعناصر متنافرة تفسيرا للمجهول وطرحا فلسفيّا يثير جملة من الأفكار أكثر من تقديم أجوبة محدّدة وهذه سمة الرّواية الحديثة التي تثير الأسئلة أكثر ممّا تقرّر الحقائق.
Descriptor(s):
ARABIC NOVELS | LITERARY CRITICISM | LITERARY ANALYSIS | LITERARY TEXTS | ARAB PLAYWRIGHTS | MODERN AGE