عرف القرن الثامن عشر تدفقاً غربياً باتجاه الشرق بلغ درجة الهوس من خلال هجرة مئات المغامرين والرحالة والأدباء والرسامين والباحثين عن المال والاكتشافات الجديدة، كانت هجراتهم تتزايد خصوصا باتجاه بلدان المغرب العربي ومصر وبلاد الشام والعراق، سميّت هذه الهجرات في القرن التاسع عشر "الإستشراق"، وعُرّفت في التاريخ المعاصر كظاهرة اقترنت في رؤيتها المباشرة بإشارات ومشاعر جمعت حب المعرفة والرومانسية والمغامرة وفي رؤيتها المقنّعة اختزنت رغبة في السيطرة والاحتلال.
وقد اختلفت أجيال المستشرقين التي توافدت بحثا عن الصورة والفكرة والتقنية والألوان والأضواء والخيال المُزين بتفاصيل الغرابة والدهشة وبواقع غير مألوف في جغرافيا الغرب.
هذه الظاهرة كان نتاجها كتباً ودراسات ومذكّرات والعديد من اللّوحات الفنيّة والصور الفوتوغرافية قدّمت ملامح ذهنية وحسية لبّت تصوّرات الغربي عن الشرق. كما أثارت الظاهرة جدليات التثاقف والسيطرة، وباعتبار أن الثقافة والفنون تصورات إنسانية تحمل مخزونا بشريًا شاهدًا على حضارة وتراث إنساني متنوع ومتجدد ومختلف الرؤى والزوايا التعبيرية والحسية التي تفاعلت معًا وفق الواقع الثقافي الاجتماعي والسياسي وأثرت على التداخلات الفكرية للفرد داخل منظومته الجغرافية، فالرسم والنحت والفن التشكيلي مرآة للشعوب وانعكاس لها بعاداتها وتقاليدها وموروثها وتطورها ومثيرات الخيال فيها.
ولأنه لا يمكن انكار مدى تأثير الإرث الهائل من اللوحات التي حاكت الشرق على تطور الفنون العالمية وتطور حركة التشكيل والنقد عربيًا كانت محاولات البحث والغوص في عمق هذه الظاهرة ومتابعتها جماليًا فنيًا بصريًا وفق محاور ثقافية اختلفت حسب المواضيع والأعمال الفنية والتجارب الاستشراقية بمراحلها في سلسلة من المقالات التي نشرها موقع الديوان الثقافي المصري، هذه المؤسسة التي حملت رسالة التشجيع ومبادرة النشر لمواضيع البحث الجادة في الفنون والثقافة بمداها التأثيري العربي والعالمي.