登入選單
返回Google圖書搜尋
الحب في ضراوة الاحتلال
註釋كان الوقت ظهرا عندما عزمت على أن أزور صديقي المدعو نصير. هو لم يعلم برجوعي إلى العراق، وأنا لم أعرف بعد كل الذي حصل له بالضبط وإنما سمعت من الأصدقاء الآخرين، بأنه قد فقد بصره، أما كيف...؟ لا أدري وقد سمعت من هنا وهناك روايات مختلفة، بعضهم قالوا: بسبب ارتفاع مفاجئ للسكر في الدم. آخرون: أصيب بشلل، ومن ثم فقد البصر. وسمعت أيضا من أقرب الناس إليه: أصيب بالجلطة الدماغية وعلى أثر ذلك، لم يعد يرى شيئا بعد أن رجع إلى وعيه. كنت أجلس في وسط الباص، على كرسي متهرئ وأنا متوجه إليه وبين فترة وأخرى أعاني من الم في عظام الحوض عندما نواجه تبليطا مهشما، وكان الباص يسير ببطء شديد، خوفا من ضرر إطاراته. الركاب أشبه بالنيام، يتربصون بنظرات غافية إلى جوانب الطريق المحطمة، وكأنهم مكبلون، محسورون. هكذا كنت اقرأ الملامح الطافية على الوجوه الواجمة. تتمايل أجسادهم بسبب تعكر سير الباص نتيجة رداءة الشارع الممتلئ بالحفر وتمزق غلافه الجيري. وبين حين وآخر أسمع أنّات تزفر بها أفواه البعض، حتى تآلفت مع الحالة وكأني أسافر داخل صحراء مجهولة النوايا والأبعاد، رغم أني أعرف تماما أنا في داخل بلدي القديم، أعرفه جيدا، تربيت فيه أكثر من ثلاثين عاما قبل سفري إلى الخارج. الذي تغير هو وجود حطام متراكم للأبنية التي كانت مشيدة وأعرفها، أما الآن فقد تلاشت من ذاكرتي المواقع الحقيقية واختلطت نظائر الأمكنة، فقد تجسدت أمام ناظري عشوائية مواد مبعثرة، مما زادت غشاوة المنظر حتى أمست بيَ الذاكرة إلى أن ابتعد كثيرا عن الأجواء التي عايشتها أيام الصبا والشباب لشدة المفارقة السائدة التي استباحت رؤياي لعامة الأشياء المعروضة على جانبي الطريق. كان هول الحطام يبعث بالرعب والخوف من الآتي. لذت بالصمت، خوفا من أن أكاشف الجالسين عن كيف حدث هذا، مثلا..؟! أو ماذا فعلتم، أو كيف تحملتم هذا الدمار...؟؟ كي لا أتهم بأني أنوي اللوم أو أتكابر في نظرتي على ما هم عليه الآن من بؤس. فضلت الانتظار وأن اكتفي في إجترار الحسرة وأن أحصي الخراب بالمشاهدة وأكظم الضيم وأتساءل بهموم الناس مع نفسي. أعرف عن الذين يجلسون حولي، هم ضحايا حماقات المترفين، العابثين، اللاهين بأهواء الملذات. بين حين وآخر يغادر بعضهم مقعده في داخل الباص، مترجلا ومن ثم يغور بين تخوم الإنقاذ. بالتأكيد سألت نفسي: هل هناك ثمة جحور تأوي هؤلاء...؟؟