العتمة بدأت تطل بقتامتها على الكامب الكبير بشامبيري فأوقد العمال مشاعلَ كثيرة مرحبين بفرقة الهجانة التي تحمل روائح تراب بلادهم الغائبة، كانوا خليطًا من هجانة الشرقية والصعيد وحرفيين من مدينة رشيد فاستقبلهم العمال بحفاوة بالغة ورحبوا بهم بحميمية فتحاضنوا دون سابق معرفة ببعضهم، اشتموا من عرقهم الفائح عبق الحنين إلى العودة، انشغل الجميع في تجهيز العشاء للقادمين المتعبين من السفر المرير ودون انتظار أوامر من القادة الإنجليز أو الفرنسيين جهزوا لهم أماكنَ بياتهم و"غلاب" يتجوّل وسطهم وهو يحمل تلالًا من ضيق ويصابر الإحساس بالهزيمة ولا يدري ماذا يصنع وقد دمر سميث بصيص الأمل في العودة فانمحت في نفسه أي رغبة في تبادل الكلام مع أحد الواردين، سار متصنعًا تفقد أحوالهم وقلبه يعزف لحون اليأس.